شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب العرض في الزكاة

          ░33▒ باب: الْعَرْضِ في الزَّكَاةِ.
          قَالَ(1) طاوس: قَالَ مُعَاذٌ لأهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُونِي بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ في الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ، أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لأصْحَابِ النَّبيِّ صلعم بِالْمَدِينَةِ.
          وَقَالَ(2) صلعم: (أَمَّا خَالِدٌ فَقَدِ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ في سَبِيلِ اللهِ).
          وَقَالَ(3) صلعم: (تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ)، فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا(4)، فَلَمْ يَخُصَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ مِنَ الْعُرُوضِ.
          فيه: ثُمَامَةُ عن أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ النَّبيُّ ◙(5): أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ: (وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ(6) مَخَاضٍ على وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ، وَلَيْسَ / مَعَهُ شَيْءٌ). [خ¦1448]
          فيه(7): ابْنُ عَبَّاسٍ: (أنَّ النَّبيَّ صلعم خَرجَ إلى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ، وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ) الحديث. [خ¦1449]
          اختلف العلماء في أخذ العروض والقيم في الزَّكاة، فقال مالك والشَّافعيُّ: لا يجوز ذلك. وجوَّزه أبو حنيفة، واحتجَّ أصحابه بما ذكره البخاريُّ من(8) أخذ معاذ للعروض في الزَّكاة، وبحديث أنس عن أبي بكر، وقال: وكان(9) معاذ ينقل الصَّدقات إلى المدينة، فيتولَّى رسول الله صلعم قسمتها، فإن كانت هذه الصَّدقة نقلها إلى المدينة في حياة النَّبيِّ صلعم فقسمها بين فقراء المدينة، فلا محالة أنَّه قد(10) أقرَّها(11) على جواز أخذ البدل(12) في الزَّكوات لأنَّه قد علم ◙ أنَّ الزَّكوات ليس فيها ما هو من جنس الثِّياب، فإنَّها(13) لا تُؤخذ إلَّا على وجه البدل، فصار إقراره له على فعله دلالة على الجواز، وإن كان بعد موته فقد وضعها أبو بكر بحضرة الصَّحابة في مواضعها مع علمهم أنَّ الثِّياب لا تجب في الزَّكاة، فصار ذلك إقرارًا(14) منهم على جواز أخذ القيم، فتحصَّل المسألة(15) اتِّفاقًا بين الصَّحابة، قالوا: وكذلك أمره(16) ◙ بإخراج ابن(17) لبون، عن بنت مخاضٍ، ويزيد(18) المصدِّق عشرين درهمًا أو شاتين، وهذا على طريق القيمة، قالوا: وإذا(19) جاز أن يخرج عن خمسٍ من الإبل شاةٌ وهو من غير الجنس، جاز أن يخرج دينارًا عن الشَّاة. واحتجُّوا بما رُوي عن عُمَر بن الخطَّاب أنَّه كان يأخذ العروض في الزَّكاة ويجعلها في صنفٍ واحدٍ من النَّاس، ذكره(20) عبد الرَّزَّاق، عن الثَّوريِّ(21)، ولهذا المذهب احتجَّ البخاريُّ، على كثرة مخالفته لأبي حنيفة، لكن اتَّباع الأحاديث قادته(22) إلى موافقته.
          وقول البخاريِّ: (فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا، فَلَمْ يَخُصَّ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ مِنَ العُرُوضِ) وموضع(23) الحجَّة منه أنَّ السِّخاب ليست بفضَّةٍ(24) ولا ذهبٍ.
          قال ابن دريد: السِّخاب(25) قلادة من قرنفل أو غيره، والجمع: سُخُب. ومن حلي النِّساء: الوَقْف، وهو من عاج وذَبْل، ما(26) لم يكن من فضَّة ولا ذهب، فهو من العروض. فأراد البخاريُّ أنَّه ◙ أخذ ذلك كلَّه، وسيأتي شيءٌ من(27) هذا المعنى في باب من بلغت صدقته(28) بنت مخاضٍ وليست عنده. [خ¦1453]
          واحتجَّ المخالفون لهذا المذهب وقالوا(29): حديث معاذ خاصٌّ له لحاجة علمها بالمدينة، رأى أنَّ المصلحة في ذلك(30)، وقامت الدَّلالة على أنَّ غيره لا يجوز له أخذها، قالوا: وكذلك أخذ عمر العروض على وجه التَّطوُّع لا على صدقة الفريضة، وقالوا في حديث أنس: إنَّه لم يعمل به أهل المدينة، ولا أمر أبو بكر ولا عمر(31) به السُّعاة، فوجب تركه لمعنًى غيره(32).
          واحتجَّ بحديث معاذ من اختار(33) نقل الصَّدقة إلى بلدٍ آخر غير البلد الَّذي جُبيت به(34)، وستأتي هذه المسألة بعد هذا في باب أخذ الصَّدقة من الأغنياء وتردُّ في الفقراء، إن شاء الله.
          ووقع في هذا الباب(35) في قول معاذ: (ائْتُونِي(36) بِعَرْضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ) بالصَّاد، والصَّوابُ(37) بالسِّين، كذلك فسَّره أبو عبيد، وأهل اللُّغة. قال(38) صاحب «العين»: الخميس والخموس(39): ثوبٌ طوله خمس أذرعٍ. وذكره أبو عبيد عن الأصمعيِّ، وقال: عن أبي عَمْرو الشَّيبانيِّ إنَّما قيل له: خميس لأنَّ أوَّل من أمر بعمله ملك من ملوك اليمن يُقال له: الخميس(40)، فنُسب إليه، واستشهد بقول أعشى بن قيس يصف نبات الأرض:
يَومًا(41) تَرَاها كَشِبْهِ أَردِيَةِ                     الخِمْسِ(42) ويومًا أَدِيمُها نَغِلا
          وقال الطَّبريُّ: في قولهم(43): مخموس: يدلُّ أنَّه ممَّا جاء مجيء ما يُصرف من الأشياء الَّتي(44) أصلها مفعول إلى فعيل مثل جريج أصله(45): مجروح، وقتيل أصله: مقتول.


[1] في (م): ((وقال)).
[2] زاد في (م): ((النبي)).
[3] زاد في (م): ((النبي)).
[4] قوله: ((فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا)) زيادة من (م)، قوله: ((فَلَمْ يَسْتَثْنِ صَدَقَةَ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِهَا، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا)) ليس في (ص).
[5] في (م): ((كتب له التي)) زاد في (ص): ((التي)).
[6] في (م): ((ابنة)).
[7] في (م): ((وفيه)).
[8] في (م): ((في)).
[9] في (م): ((وقالوا: كان)).
[10] قوله: ((قد)) ليس في (م).
[11] في (م): ((أقره)).
[12] في (م): ((البدن)).
[13] في (م): ((وأنها)).
[14] في (ص): ((إقرار)).
[15] في (ز): ((للمسألة)) والمثبت من (م)، وفي (ص): كالمثبت في المتن.
[16] زاد في (م): ((النبي)).
[17] في (م): ((بنت)).
[18] في (م): ((وبزيادة)).
[19] في (م): ((وقالوا إذا)).
[20] في (م): ((رواه)).
[21] زاد في (م): ((عن ليث، عن رجل حدَّثه عن عمر)).
[22] في (م): ((قاده)).
[23] في (م): ((فموضع)).
[24] في (م): ((من فضة)).
[25] قوله: ((السخاب)) زيادة من (م)، قوله: ((السِّخاب)) ليس في (ص).
[26] في (م): ((وما)).
[27] قوله: ((شيء من)) ليس في (م).
[28] في (م): ((زكاته)).
[29] في (م): ((بأن قالوا))، وفي (ص): ((لهذا الحديث فقالوا)).
[30] في (م): ((رأى المصلحة فيها)).
[31] في (م): ((أبو بكر وعمر)).
[32] في (م): ((علموه)).
[33] في (م): ((أجاز)).
[34] في (م): ((فيه)).
[35] قوله: ((في هذا الباب)) ليس في (م).
[36] في (م): ((ائتون)).
[37] زاد في (م): ((فيه)).
[38] في (م): ((وقال)).
[39] في (م): ((والمخموس)).
[40] في (م): ((الخمس)).
[41] في (ز) و(ص): ((يوم)) وكذا في الموضع الثاني والمثبت من (م).
[42] قوله: ((الخمس)) زيادة من (م)، قوله: ((الخمس)) ليس في (ص).
[43] في (م): ((وقولهم)).
[44] في (ز) و(ص): ((إلى)) والمثبت من (م).
[45] في (م): ((وأصله)) في الموضعين.