شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من باع ثماره أو نخله أو أرضه أو زرعه وقد وجب فيه العشر

          ░58▒ باب: مَنْ بَاعَ ثِمَارَهُ(1) أَوْ أَرْضَهُ أَوْ زَرْعَهُ(2) وَقَدْ وَجَبَ فِيهِ(3) الْعُشْرُ أَوِ الصَّدَقَةُ فَأَدَّى الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ.
          أَوْ بَاعَ ثِمَارَهُ وَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الصَّدَقَةُ،
          وَقَوْلُ النَّبيِّ صلعم: (لا تَبِيعُوا الثَّمَرَةَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا)، فَلَمْ يَحْظُرِ الْبَيْعَ بَعْدَ الصَّلاحِ على أَحَدٍ وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ وَجَبَت عَلَيْهِ الزَّكَاةُ مِمَّنْ لَمْ تَجِبْ.
          وفيه(4): ابْنُ عُمَر (نَهَى النَّبيُّ صلعم عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاحُهَا، وَكَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلاحِهَا قَالَ: حَتَّى تَذْهَبَ عَاهَتُها). [خ¦1486]
          وفيه: أَنَسٌ(5): (أَنَّ النَّبيَّ صلعم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ(6) قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ(7)). [خ¦1488]
          اختلف العلماء في هذه المسألة، فقال مالك: من باع أصل حائطه أو أرضه وفي ذلك(8) زرعٌ أو ثمرٌ قد بدا صلاحه وحلَّ بيعه، فزكاة ذلك التَّمر على البائع إلَّا أن يشترطها على المبتاع، ووجه قوله إنَّ المراعاة في الزَّكاة إنَّما تجب بطيب الثَّمرة، فإذا باعها ربُّها وقد طاب أوَّلها فقد باع ماله وحصَّة المساكين معه، فيحمل على أنَّه قد ضمن ذلك(9) ويلزمه.
          وقال أبو حنيفة: المشتري بالخيار بين إنفاذ البيع وردِّه، فالعشر(10) مأخوذٌ من الثَّمرة من يد المشتري، ويرجع على البائع بقدر ذلك، ووجه قوله في(11) العشر مأخوذ من الثَّمرة لأنَّ(12) سنَّة السَّاعي أن يأخذ الزَّكاة من كلِّ ثمرة يجدها، فوجب الرُّجوع على البائع بقدر ذلك، كالعيب الذي يرجع بقيمته، وقال الشَّافعيُّ في أحد قوليه: إنَّ البيع فاسد لأنَّه باع ما يملك وما لا يملك، وهو نصيب / المساكين ففسدتِ الصَّفقة(13)، وعلى هذا القول ردَّ البخاريُّ بقوله في هذا الباب(14) فلم يحظر البيع بعد الصَّلاح على أحد، ولم يخصَّ من وجبت عليه الزَّكاة ممَّن لم تجب، والشَّافعيُّ منع البيع بعد الصَّلاح فخالف إباحة النَّبيِّ صلعم لبيع الثِّمار إذا بدا صلاحها، واتَّفق مالك وأبو حنيفة والشَّافعيُّ أنَّه إذا باع أصل الثَّمرة وفيها ثمرٌ لم يبد صلاحه أنَّ البيع جائزٌ، والزَّكاة على المشتري لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام:141]وأمَّا(15) الَّذي ورد فيه نهي النَّبيِّ عن بيع الثَّمرة حتَّى يبدو صلاحها هو بيع الثَّمرة(16) دون الأصل لأنَّه يخشى عليه أن لا تتمَّ الثَّمرة، فيذهب مال المشتري(17) في غير عوض، وإذا(18) ابتاع رقبة الثَّمرة وإن كان فيها ثمرٌ لم يبدُ صلاحه فهو جائزٌ لأنَّ البيع إنَّما وقع على الرَّقبة لا ثمرتها الَّتي لم تظهر بعد، فهذا الفرق بينهما.


[1] زاد في (م): ((أو نخله)).
[2] قوله: ((أو زرعه)) ليس في (م).
[3] في (م): ((فيها)).
[4] في (م): ((فيه)).
[5] قوله: ((أنس)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[6] زاد في (م): ((قال وما تزهي)).
[7] في (م): ((حين تحمار))، وفي (ص): ((قال تحمر)).
[8] في (م): ((وفيه)) وقد تكرر.
[9] زاد في (م): ((لهم)).
[10] في (م): ((والعشر)).
[11] في (م): ((إن)).
[12] في (م): ((أن)).
[13] في (ز): ((الصدقة)) والمثبت من (م).
[14] قوله: ((في هذا الباب)) ليس في (م).
[15] في (م): ((وإنما)).
[16] زاد في (م): ((خاصة)).
[17] في (ز): ((فيذهب للمشتري)) والمثبت من (م).
[18] قوله: ((وإذا)) زيادة من (م).