شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب زكاة الورق

          ░32▒ باب زَكَاةِ الْوَرِقِ.
          فيه: أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ(1) الله صلعم: (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ(2) أَوَاقٍ مِنَ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ(3)، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) الحديث(4). [خ¦1447]
          في قوله(5): (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ)(6) فائدتان:
          إحداهما: نفي الزَّكاة عمَّا دون خمس أواق.
          والثانية(7): إيجابها في ذلك المقدار، وما زاد / عليه بحسابه هذا يوجبه(8) ظاهر الحديث لعدم النَّص على العفو فيما بعد(9) الخمس الأواقي(10) حتَّى يبلغ مقدارًا(11) ما، فلما عُدم النَّص في ذلك وجب القول بإيجابها في القليل والكثير. رُوي هذا القول عن عليِّ بن أبي طالب وابن عمر، وهذا(12) قول النَّخَعِيِّ وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى ومالك واللَّيث والثَّوريِّ وأبي يوسف ومحمَّد والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق وأبي ثورٍ.
          وقالت طائفةٌ: لا شيء فيما زاد على الخمس الأواقي(13) حتَّى تبلغ الزَّيادة أربعين درهمًا، فإذا بلغتها كان فيها درهم. رُوي هذا(14) عن عُمَر بن الخطَّاب، رواه(15) اللَّيث عن يحيى بن أيُّوب عن حميدٍ عن ابن عمر، وبه قال(16) سعيد بن المسيِّب والحسن البصريُّ(17) وطاوس وعطاء والشَّعبيُّ ومكحول وابن شهاب، وإليه ذهبَ(18) أبو حنيفة.
          (19) واحتجُّوا بما رواه عُبَاْدَة بن نُسَيِّ عن معاذ بن جبل: ((أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم أمرَهُ حِينَ بَعَثهُ إلى اليَمَنِ ألَّا يَأخُذَ مِنَ الكُسورِ شَيئًا إذا بَلغَ الوَرِقُ مِائتَي دِرهَمٍ، أَخذَ مِنهُ خَمسَةَ دَراهِمَ، ولا تَأخُذ ممَّا زَادَ حتَّى تَبلغَ أَربَعينَ)).
          قال الطَّبريُّ: علَّتُهم(20) من طريق النَّظر القياس على أوقاص البقر، وما بين الفريضتين في الإبل والغنم أنَّه لا شيء في ذلك، فالواجبُ أن يكون كذلك كلِّ مال وجبت فيه الصَّدقة ألَّا يكون بين الفريضتين غير الفرض الأوَّل.
          واحتجَّ أهل المقالة الأولى بأن قالوا(21): إن عُبَاْدَة بن نُسيٍّ لم يسمع من معاذٍ شيئًا، وراويه أبو العطاف(22) وهو متروك الحديث، فلا تجوز الحجَّة به، وعلَّتهم من طريق النَّظر القياس على الحبوب(23) وأنَّ الذَّهب والفضَّة معيَّنان مستخرجان من الأرض بكلفةٍ ومؤنةٍ، ولا خلاف بين الجميع أنَّ ما زاد على خمسة أوسقٍ من الحبَّ وما تُوصِّل إليه بمثل ذلك من التَّمر والزَّبيب فيه من الصَّدقة بحساب ذلك، فالواجب قياسًا أن يكون مثلَه كلُّ ما وجبت فيه الصَّدقة ممَّا استُخرج من الأرض بكلفةٍ ومؤنةٍ، وهذا القول هو(24) الصَّوابُ.
          قال ابن القصَّار: ونقول: إنَّ الأموال تختلف بعد إخراج النِّصاب الأوَّل، فما كان إخراج الزَّكاة من زيادته لا يشقُّ، ويمكن أن يخرج منفصلًا لم يجعل له عفو فيما زاد على النِّصاب، وما لا يمكن إخراج الحقِّ منه(25) منفصلًا، أو في(26) وجوب الحقِّ فيه مشقَّةً لأنَّه يؤدِّي إلى(27) الإضرار وسوء المشاركة، ولم يمكن استخلاص حقِّ الفقراء منه إلَّا بهذه المشقَّة أُخِّرَ حتَّى يمكن أخذه منفصلًا، فجُعل له نصاب آخر بعد الأوَّل، وأمَّا الدَّراهم والدَّنانير والحبوب فيمكن الأخذ من القليل والكثير منها(28) من غير ضرر الشَّركة لاحتمال التَّجزئة والتَّبعيض، واختلف حكمها وحكم المواشي من هذا الوجه، وقياسهم فاسد فيما يروى(29) عن أبي حنيفة في خمسين من البقر مُسِنَّةٌ(30) وربعٌ.
          وقال(31) أبو عُبيد: الأوقية اسم لوزن مبلغه أربعون درهمًا كيلًا(32). قال: وكانت الدَّراهم غير معلومةٍ إلى زمن عبد الملك بن مروان، فجمعها وجعل كلَّ عشرة دراهم وزنَ سبعة مثاقيل.
          وقوله: كَانَتِ(33) الدَّراهِمُ غَيرُ معلومةٍ يريد لم يكن عليها نقشٌ، وإنَّما كانت قطع فضَّة غير مضروبةٍ(34) من ضرب الرُّوم، فكره عبد الملك ضرب الرُّوم وردَّها إلى ضرب الإسلام(35).


[1] في (م): ((فيه: أَبُو سَعِيد قَالَ: النبي)).
[2] قوله: ((خمس)) ليس في (م).
[3] قوله: ((صدقة)) زيادة من (م).
[4] قوله: ((الحديث)) ليس في (م)، وفي (ص): ((ليس فيما دون خمس ذُودٍ من الإبلِ صدقة، وليس فيما دون خمس أواق من الورق، وليس فيما دون خمسة أوسق صدقة الحديث)).
[5] في (م): ((وأما قوله ◙)).
[6] زاد في (م): ((ففيه)).
[7] في (ز) و(ص): ((والثاني)) والمثبت من (م).
[8] في (ز) و(ص): ((يوجب)) والمثبت من (م).
[9] في (ز) و(ص): ((دون)) والمثبت من (م).
[10] في (م): ((الأواق)).
[11] في (ص): ((تبلغ مقدار)).
[12] في (م): ((وهو)).
[13] في (م): ((الأواق)).
[14] زاد في (م): ((القول)).
[15] في (م): ((رواه)).
[16] في (م): ((أيوب عن حميد عن أنس وهو قول)).
[17] قوله: ((البصري)) ليس في (م).
[18] في (م): ((وبه قال)).
[19] زاد في (م): ((قال ابن القصار)).
[20] في (م): ((وعلتهم)).
[21] في (م): ((الأولى فقالوا)).
[22] في (م): ((العطوف)).
[23] زاد في (م): ((والثمار))، زاد في (ص): ((والذهب)).
[24] في (م): ((ومؤنة وهو)).
[25] قوله: ((منفصلًا لم يجعل.... إخراج الحق منه)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[26] في (م): ((منفصلًا وفي)).
[27] قوله: ((إلى)) ليس في (م).
[28] قوله: ((منها)) ليس في (م).
[29] في (م): ((روي)).
[30] في (م): ((في خمس مسنة)).
[31] في (م): ((قال)).
[32] زاد في (م): ((ولم يجز أن تكون الأوقية على عهد النبي صلعم مجهولة القدر، ثم توجب الزكاة فيها، ولا يُعلم مقدار وزنها)).
[33] قوله: ((كانت)) ليس في (م).
[34] زاد في (م): ((ودرهم)).
[35] قوله: ((وقال أبو عبيد: الأوقية...... إلى ضرب الإسلام)) أتى في (م) بعد قوله السابق: ((فيه أبو سيعد... الحديث)).