شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب أخذ العناق في الصدقة

          ░40▒ بابُ: أَخْذِ الْعَنَاقِ في الصَّدَقَةِ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلى رَسُولِ اللهِ صلعم لَقَاتَلْتُهُمْ على مَنْعِهَا، قَالَ عُمَرُ: فَمَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ أَنَّ اللهَ(1) شَرَحَ صَدْرَ أبي بَكْرٍ بِالْقِتَالِ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. [خ¦1456] [خ¦1457]
          قال أهل اللُّغة: العَناق ولد الماعز إذا أتى عليه أربعة أشهرٍ وفصل عن أمِّه وقوي على الرَّعي فهو جدي، والأنثى: عَناق، والجمع: عُنُوق وعُنُق، فإذا أتى عليه الحول فالذَّكر تيسٌ والأنثى عنزٌ، ثمَّ يكون التَّيس جذعًا في السَّنة الثَّانية، ثمَّ ثنيًّا في الثَّالثة.
          وقال أشهب وابن نافع: إنَّ الجذع في الضَّأن والمعز ابن سنة، وهو الَّذي يجوز في الصَّدقة. وعلى هذا جماعة(2) العلماء إلَّا النَّخَعِيَّ والحسن(3) والكوفيِّين، فإنَّهم قالوا(4): لا تُؤخذ الجذعة في الصَّدقة. واختلف أهل العلم في(5) أخذ العناق في الصَّدقة(6) والسِّخال والبَهم إذا كانت الغنم كذلك كلُّها(7)، أو كانت الإبل فصلانًا والبقر عجولًا(8). قال مالك: عليه في الغنم شاة جذعة أو ثنيَّة، وعليه في الإبل والبقر ما في الكبار منها. وهو قول زفر وأبي(9) ثورٍ(10).
          وقال(11) أبو يوسف والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ(12): يُؤخذ منها إذا كانت صغارًا من كلِّ صنفٍ واحدٍ(13) منها. وقال أبو حنيفة والثَّوريُّ ومحمَّد: لا شيء في الفصلان ولا في العجول ولا في صغار الغنم لا منها ولا من غيرها، وذكر(14) ابن المنذر(15): كان(16) أبو حنيفة وأصحابه(17) والثَّوريُّ والشَّافعيُّ وأحمد يقولون(18): في أربعين عجلًا مسنَّة. وعلى هذا القول هم موافقون لقول مالك(19).
          قال ابن القصَّار: والحجَّة لمالك قوله ◙: ((فِي كُلِّ أَربَعِينَ شَاةً شَاةٌ))، والشَّاة اسم يختصُّ بالكبير(20) في غالب العرف، فدلَّ أنَّ الواجب(21) فيها شاةٌ لا سخلةٌ، وأيضًا قول عُمَر(22): اعدد عليهم بالسَّخلة ولا تأخذها منهم. وهذا يدلُّ أنها تُعَدَّ، كانت أمَّهاتها باقية أو قد عُدمت(23).
          فإن قال أبو حنيفة لمَّا لم يجز(24) أخذ السَّخلة من أربعين شاةً، كذلك لا يُؤخذ من أربعين سخلةً قيل(25): هذا لا يلزم لأنَّنا(26) لا نأخذ سخلةً من الكبار ولا من الصِّغار، وإنَّما نأخذ السِّنَّ المجعول، فكما نأخذ شاةً(27) من أربعين كبارًا كذلك نأخذ شاةً من أربعين صغارًا. فإن احتجَّ(28) من أجاز أخذ الصِّغار إذا كانت(29) صغارًا كلُّها بقول الصِّدِّيق: والله(30) لو منعوني عناقًا كانوا يؤدُّونها إلى رسول الله صلعم، فدلَّ أنها تُؤخذ في الصَّدقة، قيل(31): تأويل قوله:(32) يؤدُّونها أي يؤدُّون عنها ما يجوز أداؤه، ويشهد لصحَّة هذا(33) قول عمر: اعدد عليهم السَّخلة ولا تأخذها، وإنَّما خرج قول الصِّدِّيق على التَّقليل والإعياء، ألا ترى أنَّه(34) روى: لو منعوني عقالًا، وقد اختلف في تفسيره على ما تقدَّم في أوَّل كتاب الزَّكاة. [خ¦1399]
          ومذهب مالك أنَّ نصاب الغنم يكمل بأولادها كربح المال سواء، وذلك مخالف عنده لما أفاد منها بشراءٍ أو هبةٍ أو ميراثٍ لا يكمل منه النِّصاب، ويستأنف به حولًا وإن كان عنده نصابٌ ثمَّ استفاد بغير ولادة زكاه مع النِّصاب، وهو قول أبي حنيفة، وقال الشَّافعيُّ: لا يضمُّ نتاج الماشية إلَّا إلى النِّصاب، ولا يكمل به النِّصاب(35).


[1] زاد في (م): ((قد)).
[2] زاد في (م): ((من)).
[3] في (م): ((إلا الحسن والنخعي)).
[4] في (ص): ((إلا النخعي والحسن فإنهما قالا)).
[5] في (م): ((واختلفوا في أخذ)).
[6] في قوله: ((في الصدقة)) ليس في (م).
[7] في (م): ((كلها كذلك)).
[8] زاد في (م): ((كلها)). وبعدها فيها: ((وقال)).
[9] في (م): ((وأبو)).
[10] قوله: ((وقال مالك: عليه في الغنم شاة جذعة أو ثنية، وعليه في الإبل والبقر ما في الكبار منها. وهو قول زفر وأبي ثور)) أتى في (م) بعد قوله: ((يُؤخذ منها إذا كانت صغارًا من كل صنف واحد منها)).
[11] في (م): ((فقال)).
[12] في (م): ((والشافعي والأوزاعي وإسحاق)).
[13] في (ص): ((واحدًا)).
[14] زاد في (م): ((ولا من غيرها ذكره)).
[15] زاد في (م): ((وذكر عنهم خلافه)).
[16] في (م): ((وكان)).
[17] قوله: ((وأصحابه)) ليس في (م).
[18] في (م): ((والثوري ويعقوب ومحمد والشافعي وأحمد بن حنبل يقولون)).
[19] في (م): ((في أربعين جملًا مسنة وهذا كقول مالك)).
[20] في (م): ((الكبيرة)).
[21] قوله: ((الواجب)) ليس في (م).
[22] زاد في (م): ((ابن الخطاب)).
[23] في (ص): ((أو عدمت)).
[24] في (م): ((ومن الحجة لأبي حنيفة في قوله الذي لم يوجب في الصغار شيئًا: أنه لما لم يجز)).
[25] في (م): ((سخلة شيء فيقال له)).
[26] في (م) و(ص): ((لأنَّا)).
[27] قوله: ((شاة)) ليس في (ص).
[28] في (م): ((صغارًا واحتج)).
[29] زاد في (م): ((كلها)).
[30] قزله: ((والله)) ليس في (ص).
[31] في (م): ((مأخوذة في الصدقة فقال من خالفهم)).
[32] زاد في (م): ((كانوا)).
[33] في (م): ((يجوز أداؤه ويفسر هذا)).
[34] قوله: ((أنه)) ليس في (م).
[35] قوله: ((ومذهب مالك أن نصاب الغنم.... ولا يكمل به النصاب)) ليس في (م).