شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من سأل الناس تكثرًا

          ░52▒ باب: مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ(1) يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ). [خ¦1474] [خ¦1475]
          وَقَالَ: (إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ).
          قال المُهَلَّب: فيه ذمُّ السُّؤال وتقبيحه، وفهم البخاريُّ ☼ أنَّ الَّذي يأتي يوم القيامة لا لحم في وجهه من كثرة السُّؤال أنَّه السَّائل تكثُّرًا بغير(2) ضرورةٍ إلى السُّؤال، ومن سأل تكثُّرًا فهو غنيٌّ لا تحلُّ له الصَّدقة، فعُوقب في الآخرة.
          قال عبد الواحد: عُوقب(3) في وجهه بأن جاء لا لحم فيه، فجازاه الله(4) من جنس ذنبه حين بذل وجهه وعنده كفاية.
          قال المُهَلَّب: والمزعة(5) القطعة من اللَّحم، فإذا جاء لا لحم في وجهه فتؤذيه الشَّمس(6) أكثر من غيره، ألا ترى قوله في الحديث: (إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الأذُنِ) فحذَّر ◙ من الإلحاف(7) في المسألة لغير حاجةٍ إليها، وأمَّا من سأل مضطرًا فقيرًا(8) فمباح له المسألة، ويُرجى له أن يُؤجر عليها إذا لم يجد عنها بدًّا، ورضي بما قسم الله له، ولم يتسخَّط قدره.
          قال الخطَّابيُّ: معنى الحديث أنَّه يأتي يوم القيامة ذليلا ساقط القدر، لا وجه له عند الله، فهذا التَّأويل على المجاز، والأوَّل على الحقيقة. وروى(9) شعبة(10) عن عبد الملك بن عمير، عن زيد بن عقبة الفزاريِّ، عن سَمُرة بن جُنْدب / عن النَّبيِّ صلعم قال: ((للسَّائِلِ(11) كُدُوحٌ يَكدَحُ بِها الرَّجلُ(12) وجهَهُ، فمَنْ شَاءَ أَبقَى عَلَى وَجهِهِ، ومَنْ شَاءَ تَرَكَ، إلَّا أنْ يَسأَلَ الرَّجلُ ذا سُلطَانٍ، أو في أَمرٍ لَا يَجِدُ مِنهُ بُدًّا))(13).


[1] في (م): ((يأت)).
[2] في (م): ((من غير)).
[3] قوله: ((قال عبد الواحد: عُوقب)) ليس في (م).
[4] في (م): ((له)).
[5] قوله: ((والمزعة)) ليس في (م).
[6] زاد في (م): ((في وجهه)).
[7] في (م): ((الإلحاح)).
[8] في (م): ((فقير)).
[9] قوله: ((قال الخطابي: معنى الحديث.... الحقيقة. وروى)) ليس في (م). وبدله: ((ومما يزيد هذا ما روى)).
[10] صورتها في (م): ((شيبة)).
[11] في (م) و(ص): ((للسائل)) غير واضحة.
[12] في (م): ((الرجل بها)).
[13] زاد في (م): ((وفيه وجه آخر، قال الخطابي: يعني حديث ابن عمر أنه يأتي يوم القيامة ذليلًا ساقط القدر، لا وجه له عند الله، فهذا التأويل على المجاز، والأول على الحقيقة)).