شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {والعاملين عليها}

          ░67▒ بَاب: قَوْلِ اللهِ تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا}[التوبة:60]
          وَمُحَاسَبَةِ الْمُصَدِّقِينَ مَعَ الإمَامِ(1).
          فيه: أَبُو حُمَيْدٍ قَالَ(2): (اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ صلعم رَجُلًا مِنَ الأسْدِ على صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ يُدْعَى ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ(3)، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ). [خ¦1500]
          اتَّفق العلماء(4) أنَّ العاملين عليها(5) السُّعاة المتولُّون لقبض الصَّدقة، واتَّفقوا أنَّهم لا يستحقُّون على قبضها(6) جزءًا منها معلومًا سبعًا أو ثمنًا، وإنَّما للعامل بقدر عمالته على حسب اجتهاد الإمام، دلَّت(7) هذه الآية على أنَّ لمن(8) شُغل بشيء من أعمال المسلمين أخذ الرِّزق(9) على عمله ذلك كالولاة والقضاة وشبههم، وسيأتي قول من كره ذلك من السَّلف في كتاب الأحكام في باب رزق الحكَّام والعاملين عليها إن شاء الله. [خ¦7164]
          قال المُهَلَّب: وفي هذا الحديث من الفقه: جواز محاسبة المؤتمن، وأنَّ المحاسبة تصحِّح أمانته. قال غيره: وهذا الحديث هو أصل فعل عُمَر بن الخطَّاب(10) في مقاسمته العمال، وإنَّما فعل ذلك لمَّا رأى ما نالوه من كثرة الأرباح، وعلم أنَّ ذلك من أجل سلطانهم، وسلطانهم إنَّما كان بالمسلمين(11)، فرأى مقاسمة أموالهم نظرًا للمسلمين واقتداء بقول النَّبيِّ: ((أَفَلا جَلَسَ فِي بَيتِ أَبِيهِ وأُمِّهِ فَيَرَى أَيُهدَى لَهُ شَيءٌ أَم لَا)).
          ومعناه أنَّه لولا الإمارة لم يُهد إليه شيء، وهذا اجتهادٌ من عمر، وإنَّما أخذ منهم ما أخذ(12) لبيت مال المسلمين لا لنفسه(13) وفيه من الفقه: أنَّ العالم إذا رأى متأوِّلًا قد(14) أخطأ في تأويله خطأً يعمُّ النَّاس ضرره أن يُعلم النَّاس كافَّة بموضع خطئه، ويُعرِّفهم بالحجَّة القاطعة لتأويله كما فعل النَّبيُّ صلعم بابن اللُّتبِيَّة في خطبته للنَّاس(15).
          وفيه: جواز توبيخ المخطئ. وفيه: جواز تقديم الأدون إلى الإمارة والأمانة والعمل وثَمَّ من هو أعلى(16) منه وأفقه لأنَّ النَّبيَّ ◙ قدَّم ابن اللُّتبيَّة وثَمَّ من صحابته من هو أفضل منه.


[1] قوله: ((مع الإمام)) ليس في (م).
[2] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[3] في (ز) و(ص): ((سليم بن عامر اللتبية)) والمثبت من (م).
[4] زاد ي (م): ((على)).
[5] في (م): ((هم)).
[6] في (ز) و(ص): ((عليها قبض)) والمثبت من (م).
[7] في (م): ((ودلت)).
[8] في (م): ((من)).
[9] في (م): ((الورق)).
[10] قوله: ((ابن الخطاب)) ليس في (ص).
[11] في (م): ((للمسلمين)).
[12] في (م): ((وإنما أخذ ما أخذ منهم)).
[13] زاد في (م): ((وسيأتي في باب احتيال العامل ليُهدى له في آخر كتاب ترك الحيل زيادة في هذا المعنى، إن شاء الله، قال المُهَلَّب:)).
[14] في (م): ((وقد)).
[15] في (م): ((بالناس)).
[16] في (م): ((أولى)).