شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التحريض على الصدقة والشفاعة فيها

          ░21▒ باب: التَّحْرِيضِ على الصَّدَقَةِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهَا.
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: (خَرَجَ النَّبيُّ ◙ يَوْمَ عِيدٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، لَمْ يُصَلِّ قَبْلُ وَلا بَعْدُ، ثُمَّ مَالَ على النِّسَاءِ، وَبِلالٌ مَعَهُ(1)، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَصَدَّقْنَ(2)، فَجَعَلَتِ الْمَرْأَةُ تُلْقِي الْقُلْبَ وَالْخُرْصَ). [خ¦1431]
          وفيه: أَبُو مُوسَى قَالَ(3): (كَانَ رَسُولُ اللهِ(4) صلعم إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ(5) إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللهُ على لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ). [خ¦1432]
          وفيه: أَسْمَاءُ قَالَتْ(6): قَالَ لي(7) النَّبيُّ ◙: (لا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ(8) ولا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللهُ عَلَيْكِ). [خ¦1433]
          وترجم لحديث أسماء: باب الصَّدَقَةِ فِيمَا اسْتَطَاعَ، وزاد في آخره: (ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ).
          قال المؤلِّف: الشَّفاعة في الصَّدقة وسائر أفعال البرِّ مرغَّبٌ فيها مندوبٌ إليها، ألا ترى قوله(9) ◙: (اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا)، فندب أمَّته إلى السَّعي في حوائج النَّاس، وشرط الأجر على ذلك، ودَلَّ قوله ◙: (وَيَقْضِي اللهُ على لِسَانِ رَسُولِه(10) مَا شَاء) أنَّ السَّاعيَ مأجورٌ على كلِّ حالٍ، وإن خاب سعيُه ولم تنجحْ طلبته(11)، وقد قال ◙: ((اللهُ فِي عَونِ العَبدِ مَا كَانَ(12) العَبدُ في عَونِ أَخِيهِ)). وقد احتجَّ أبو حنيفة والثَّوريُّ بحديث ابن عبَّاسٍ فأوجبوا(13) الزَّكاة في الحليِّ المتَّخذ للنِّساء(14)، وقال مالك: لا زكاة في الحليِّ، وهو مذهب ابن عمر وابن عبَّاس وجابر وأنس وعائشة وأسماء.
          قال ابن القصَّار والمُهَلَّب: ولا حجَّة في حديث ابن عبَّاس لمن أوجب الزَّكاة في الحليِّ(15) لأنَّه ◙ إنَّما حَضَّهُنَّ(16) على صدقة التَّطوُّع لقوله(17) ◙: (تَصَدَّقْنَ(18))، ولو كان ذلك واجبًا، لما قال: (وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ).
          قال عبد الواحد: وممَّا يَرُدُّ قول أبي حنيفة أنَّ لو كان ذلك من بابِ الزَّكاة لأعطينه(19) بوزن ومقدار، فدلَّ(20) أنَّه تطوُّع.
          قال(21) أبو عبيد: الحليُّ الَّذي يكون زينة النِّساء ومتاعًا هو كالأثاث(22)، وليس كالرِّقة الَّتي وردت السُّنَّة بإخراج(23) ربع العشر منها. والرِّقة عند العرب الوَرِق المنقوشةُ ذات السِّكة السَّائرة بين النَّاس، وعلى هذا جرى(24) العمل بالمدينة لا خلاف عنهم فيه(25)، وذكر مالك عن عائشة أنَّها كانت تُحلي بنات أختها يتامى كنَّ في حجرها بالحليِّ فلا تخرِج(26) منه الزَّكاة، وكان يفعله ابن عمر.
          وأمَّا قوله ◙ في حديث أسماء: (لَا تُوْكِي فَيُوكِيَ اللهُ(27))، فإنَّما سألته عن الصَّدقة، وقالت له: يا رسول الله ما لي إلَّا ما(28) يُدخل عليَّ الزُّبير، أفأتصدَّق؟ قال: (تَصَدَّقِي وَلَا تُوكِي فَيُوكِيَ اللهُ عَلَيْكِ).
          وروى حمَّاد بن سلمة عن أيُّوب، عن ابن أبي مليكة أنَّ عائشة قالت لخادمها: ما أعطيت السَّائل؟ فقال لها رسول الله صلعم: ((لَا تُحصِي فَيُحصِيَ اللهُ عَلَيكِ))، معنى(29) قوله: (لَا تُوكِي فَيُوكِيَ اللهُ عَلَيْكِ)، أي لا توكي مالك عن الصَّدقة أي لا(30) تتصدَّقي خشية نفاده، فيوكي الله عليك؛ أي يمنعك كما منعت السَّائل. ودَلَّ(31) هذا الحديث أنَّ الصَّدقة قد(32) تنمي المال وتكون سببًا إلى البركة والزِّيادة فيه، وأنَّ من شحَّ ولم(33) يتصدَّق فإنَّ الله يوكي عليه ويمنعه من(34) البركة في ماله والنَّماء فيه.
          وقوله ◙: (اِرْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ) أي تصدَّقي ما استطعت، والعرب تقول: رضخ له من ماله رضخًا أي(35) أعطاه قليلًا من كثير.
          عن صاحب(36) «العين»: القُلْب من الأسورة ما كان قلدًا واحدًا(37). والقُلْب الحيَّة البيضاء، والخرص حلقة في الأذن، عن(38) غيره.


[1] في (م): ((ومعه بلال)).
[2] في (م): ((وأمرهن بالصدقة)).
[3] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[4] في (م): ((النبي)).
[5] في (م): ((طلب)).
[6] قوله: ((قالت)) ليس في (م).
[7] قوله: ((لي)) ليس في (م).
[8] في (م): ((فيوكي الله عليك)).
[9] في (م): ((إليها لقوله)).
[10] في (م): ((نبيِّه)).
[11] قوله: ((ولم تنجح طلبته)) ليس في (م).
[12] في (م): ((ما دام)).
[13] في (م): ((وأوجبوا)).
[14] في (م): ((للباس)).
[15] في (م): ((قال ابن القصار والمُهَلَّب: ولا حجة لمن أوجب الزكاة في الحلي في حديث ابن عباس)).
[16] في (م): ((حثهن)).
[17] في (م): ((بدليل قوله)).
[18] زاد في (م): ((ولو من حليكن)).
[19] قوله: ((قال عبد الواحد: ومما.... الزكاة لأعطينه)) ليس في (م). وبدله قوله: ((ولما أعطيته))، وفي (ص): ((لأعطيته)).
[20] في (م): ((بوزن ولا مقدار)).
[21] في (م): ((وقال)).
[22] في (م): ((زينة النساء ومتاعًا هو ومتاعًا كالأثاث)).
[23] في (م): ((بأخذ)).
[24] قوله: ((جرى)) ليس في (م).
[25] في (م): ((لا خلاف عندهم أنه لا زكاة فيه)).
[26] في (م): ((يتامى كن في حجرها لهن الحلي ولا تخرج)).
[27] زاد في (م): ((عليك)).
[28] قوله: ((إلا ما)) ليس في (م).
[29] في (م): ((ومعنى)).
[30] في (م): ((عن الصدقة فلا)).
[31] في (م): ((فدل)).
[32] قوله: ((قد)) ليس في (م).
[33] في (م): ((فلم)).
[34] قوله: ((من)) ليس في (م).
[35] قوله: ((أي)) ليس في (م).
[36] في (م): ((«الأفعال». وقال صاحب)).
[37] قوله: ((واحدًا)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[38] قوله: ((عن)) ليس في (م).