شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده

          ░37▒ باب: مَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُةُ بِنْتَ مَخَاضٍ / وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ.
          فيه: ثُمَامَةُ عن أَنَسٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ: مَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنَ الإبِلِ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْجَذَعَةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ(1) بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلا بِنْتُ(2) لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ، وأُعْطِيَ(3) شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِندَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ لَبُونٍ، وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ، وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ. [خ¦1453]
          قال المؤلِّف: أمَّا قوله: (مَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ) فلم يأت ذكره في هذا الحديث، وذكر(4) في باب العرض في الزَّكاة، وهذه غفلة من البخاريِّ ☼، قال فيه: وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ ابْنَةَ(5) مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ(6)، وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ))
          قال ابن المنذر: اختلف في(7) المال الَّذي(8) لا توجد(9) فيه السِّنُّ الَّتي تجب، ويوجد دونها أو فوقها، فكان النَّخَعِيُّ يقول بظاهرِ هذا الحديث: إذا أخذ سنًّا فوق(10) سنٍّ ردوا(11) عليهم عشرين درهمًا، أو شاتين(12). وهو قول الشَّافعيِّ وأبي ثورٍ.
          وفيها قولٌ ثان(13) رُوي عن عليِّ بن أبي طالبٍ: أن يردَّ عشرة دراهم أو شاتين. وهو قول الثَّوريِّ. وفيها قولٌ ثالثٌ: وهو أن(14) تُؤخذ قيمة السِّنِّ الَّتي تجب عليه. وهو قول(15) الأوزاعي.
          وفيها قولٌ رابعٌ: قال أبو حنيفة: تُؤخذ قيمة السِّنِّ(16) الَّذي وجب عليه، وإن شاء أخذ الفضل منها وردَّ عليهم فيه دراهم، وإن شاء أخذ دونها، وأخذ الفضل دراهم(17)، ولم يعيِّن عشرين درهمًا ولا غيرها، وجوَّز أخذ ابن(18) اللَّبون مع وجود بنت المخاض إذا كانت قيمتهما واحدةً.
          وقال مالك: على ربِّ المال أن يبتاع للمصدِّق السِّنَّ الَّتي تجب عليه(19) ولا ضير في أن يعطيه(20) بنت مخاضٍ عن بنت لبونٍ، ويزيد ثمنًا(21)، أو يعطي بنت لبونٍ عن بنت مخاضٍ، ويأخذ ثمنًا. وقال ابن القاسم(22) في «المجموعة»: لا ينبغي أن يعطي أفضل ويأخذ ثمنًا، أو أدنى ويؤدِّي ثمنًا، فإن ترك أجزأه. وقاله سَحنون(23).
          وقال ابن الموَّاز: قال ابن القاسم عن مالك فيمن عليه شاةٌ في خمس(24) ذودٍ فدفع فيها دراهمَ، قال(25): لولا خوفي أن يدخل فيه الظُّلم لم أرَ به بأسًا، ثمَّ رجع فقال: لا يدفع إلَّا شاةً، فإن دفع دراهم أجزأه، وبه أخذ ابن القاسم، وقاله سَحنون.
          قال(26) أشهب فيمن أدَّى(27) قيمة صدقته أو أجبره المصدِّق على ذلك: أنَّه يجزئه إذا تعجَّله، للخلاف(28) فيه. وحجَّة مالك في منعه أخذ القيم في الزَّكاة أنَّه من ابتياع الصَّدقة عنده.
          قال ابن القصَّار: أخذ مالك في ذلك بكتاب عُمَر بن الخطَّاب في الصَّدقة، وفيه(29): في خمسٍ وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين بنت مخاضٍ، فإن لم توجد فابن لبونٍ ذكرٍ(30)، وفيما فوق ذلك إلى خمسٍ وأربعين ابنة لبونٍ، وفيما فوق ذلك إلى ستين حُقَّةٌ طروقة الفحل، وفيما فوق ذلك إلى خمسٍ وسبعين جَذَعةٌ، وفيما فوق ذلك إلى تسعين ابنتا لبونٍ، وفيما فوق ذلك إلى عشرين ومائة حقَّتان طروقتا الفحل، فإن(31) زاد على ذلك ففي كلِّ أربعين ابنة لبون، وفي كلِّ خمسين حقَّةٌ. ولم يأخذ مالك بحديث أنس عن أبي بكرٍ، ولا وُجِدَ العمل عليه بالمدينة(32)، وأخذ بكتاب عمر في الصَّدقة، وهو معروفٌ مشهورٌ(33) عندهم بالمدينة.
          قال عبد الواحد(34): ومن منع أخذ القيم في الزَّكاة واحتجَّ(35) بأنَّ ذلك من ابتياع الصَّدقة فليست(36) بحجَّةٍ لأنَّ النَّبيَّ ◙ قد أجاز للمُعِري ابتياع عريَّته، وهي صدقةٌ بتَمْرٍ(37) إلى الجداد، فاجتمع في هذا إجازة ابتياع الصَّدقة وبيع(38) التَّمر بالتَّمر نسيئة إذ لم يكن بدٌّ من الضَّرر(39) الدَّاخل على المعري، فكذلك أخذ القيم جائزٌ وهي(40) أخف من العريَّة لضرورة استهلاك حقِّ(41) المساكين في ماله.
          وقال(42) المُهَلَّب: إذا لم يجد السِّنَّ وأخذ غيرها وجعل معها شاتين أو عشرين درهمًا فليس ذلك من ابتياع الصَّدقة لأنَّ الصَّدقة لم تتعيَّن فيبتاعها، وإنَّما هي مفروضةٌ(43) مستهلكةٌ في إبله، فعليه قيمة المستهلك(44) في إبله من جنس إبله وغير(45) جنسها، ألا ترى أنَّ النَّبيَّ ◙ أوجب في خمس من الإبل شاة وليست من جنسها، وقال في الخليطين: فإنَّهما يتراجعان بينَّهما بالسَّويَّة، والتَّراجع لا يكون إلَّا بالتَّقويم وأخذ العوض.
          وقال الطَّبريُّ: لمَّا جعل النَّبيُّ ◙ / للمصدِّق إذا وجبت في الإبل سنٌّ ولم يجدها ووجد دونها أن يأخذ ما وجد ويلزمه دراهم أو غيرها، وإن وجد عنده فوق السِّنِّ أن يأخذها، ويردَّ عليه قيمة ذلك دراهم(46) أو غنمًا(47)، وهذا لا شكَّ أخذ عوض وبدل من الواجب على ربِّ المال، وإنَّه إن لم يكن بيعًا وشراءً فنظير للبيع والشِّراء، وذلك لأنَّ(48) البيع إنَّما هو إزالة مالك ملك عمَّا يملكه إلى أخذ العوض، فكذلك(49) المعطي ابنة مخاضٍ وعشرين درهمًا، أو شاتين مكان ابنة لبونٍ لا شكَّ أنَّه يعتاض بدراهمٍ(50) فضل ما بين ابنة مخاضٍ وابنة لبونٍ الَّتي هي صدقة ماله، وأكثر العلماء على حديث(51) أنس أو بعضه، ولم أجد من خالفه كلَّه غير مالك بن أنس(52).


[1] في (م): ((ومتى)).
[2] في (م): ((ابنة)) في المواضع كلها.
[3] في (م): ((ويعطى)).
[4] في (م): ((وذكره)).
[5] في (م) و(ص): ((بنت)).
[6] زاد في (م): ((وعند ابنة لبون؛ فإنها تُقبل منه، ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض)).
[7] في (م): ((واختلف في)).
[8] في (م): ((التي)).
[9] في (ص): ((لا يوجد)).
[10] في (ص): ((دون)).
[11] في (م): ((زاد)).
[12] زاد في (م): ((وإذا أخذ سنًّا دون سنٍّ ردُّوا عليه عشرين درهمًا أو شاتين)).
[13] في (ص): ((ثاني)).
[14] قوله: ((وهو أن)) ليس في (ص).
[15] في (م): ((التي وجبت عليه وهذا قول مكحول و)).
[16] قوله: ((السن)) ليس في (م).
[17] في (م): ((درهم)).
[18] قوله: ((ابن)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[19] في (م): ((له)).
[20] في (م): ((يعطي)).
[21] في (م): ((شيئًا)).
[22] زاد في (ص): ((وأشهب)).
[23] قوله: ((وقال ابن القاسم في «المجموعة»: لا ينبغي أن.... وقاله سحنون)) ليس في (م).
[24] في (م): ((خمسين)).
[25] في (م): ((فقال)).
[26] في (م): ((وقال)).
[27] في (م): ((ودى)).
[28] في (م): ((للاختلاف)).
[29] قوله: ((وفيه)) ليس في (م).
[30] في (ص): ((ذكره)).
[31] في (م): ((فما)).
[32] في (م): ((بالمدينة عليه)).
[33] في (م): ((بكتاب عمر وهو مشهور)).
[34] قوله: ((قال عبد الواحد)) ليس في (م).
[35] في (ز) و(ص): ((فاحتج)) والمثبت من (م).
[36] في (م): ((فليس ذلك)).
[37] في (م): ((صدقته تمر)).
[38] في (ز) و(ص): ((ومنع)) والمثبت من (م).
[39] في (م): ((بد من ذلك للضرر)).
[40] في (م): ((وهو)).
[41] في (م): ((حصة)).
[42] في (م): ((قال)).
[43] في (م): ((معدومة)).
[44] في (م) صورتها: ((المستهلكة)).
[45] في (م): ((أو غير)).
[46] في (م): ((درهم)).
[47] في (ص): ((غنم)).
[48] في (م): ((أن)).
[49] في (م): ((إزالة ملك مالك إلى غيره بعوض، كذلك)).
[50] في (م): ((بدراهمه)).
[51] في (م): ((على القول بحديث أنس)).
[52] قوله: ((ابن أنس)) ليس في (م).