شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب زكاة البقر

          ░43▒ باب: زَكَاةِ الْبَقَرِ.
          وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَأعْرِفَنَّ مَا جَاءَ اللهَ رَجُلٌ بِبَقَرَةٍ لَهَا خُوَارٌ).
          فيه: أَبُو ذَرٍّ قال(1): انْتَهَيْتُ إلى النَّبيِّ صلعم فقَالَ(2): (وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ، أَوْ وَالذي لا إِلَهَ غَيْرُهُ، أَوْ كَمَا حَلَفَ(3)، مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا أُتِيَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ). [خ¦1460]
          في هذا الحديث دليل على وجوب زكاة البقر، وسائر الأنعام من أجل الوعيد الَّذي جاء فيمن لم يؤدِّ زكاتها. أما مقدار زكاة البقر(4) ومقدار ما يؤخذ(5) منها فهو في حديث معاذ بن جبل، وهو متَّصلٌ(6) مسندٌ من رواية معمر والثَّوريِّ عن الأعمش عن أبي(7) وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل ((أنَّ النَّبيَّ ◙ بَعَثهُ إلى اليَمَنِ، فأمرَهُ(8) أنْ يَأخُذَ مِنْ كُلِّ ثَلاثِينَ(9) بَقَرةٍ تبيعًا، ومِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً))، وكذلك في كتاب النَّبيِّ ◙ لعمرو بن حزم، وفي كتاب الصَّدقات لأبي بكر وعمر، وعلى ذلك مضى الخلفاء(10) وعليه عامَّة الفقهاء.
          قال ابن المنذر: ولا أعلم النَّاس يختلفون فيه اليوم، وفيه شذوذ(11) لا يُلتفت إليه، رُوي عن ابن المسيِّب و الزُّهريِّ وأبي قِلابة(12) في كلِّ خمس من البقر شاةٌ وفي عشر شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين بقرة إلى خمس وسبعين(13) بقرتان إلى عشرين ومائة، فإذا جاوزتْ ففي كلِّ أربعين بقرةً بقرةٌ.
          ورُوي عن أبي قِلابة أنَّه قال: في كلِّ خمس شاةٌ إلى أن(14) تبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين ففيها تبيعٌ، واعتلَّ قائلو هذه المقالة بحديث لا أصل له رواه حُبَيِّب بن حبيب(15) عن عَمْرو بن هرم أنَّه في كتاب عَمْرو بن حزم، وحجَّتهم من طريق(16) النَّظر أنَّ النَّبيَّ ◙ قد عدلها بالإبل، إذ جعل الواحدة منها تجزئ عن سبعة في الهدايا والضَّحايا كما تجزئ الإبل، فإذا كانت تُعادلها فزكاتها زكاة(17) الإبل. قالوا: وخبر معاذ منسوخ بكتاب النَّبيِّ صلعم إلى عمَّاله الَّذي رواه عَمْرو بن هرم(18).
          قال الطَّبريُّ: وهذا الحديث أراه(19) غير متَّصلٍ، ولا يجوز الاحتجاج بمثله في البقر(20)، والمعروف في كتاب النَّبيِّ صلعم في الصَّدقة لآل عَمْرو بن حزم خلاف ذلك، وجماعة الفقهاء على أنَّه لا شيء فيما زاد على الأربعين حتَّى تبلغ ستِّين، فإذا بلغت ستِّين ففيها تبيعان، فإذا بلغت سبعين ففيها تبيعٌ ومسنَّةٌ(21)، وبهذا قال أبو يوسف ومحمَّد، وسُئل(22) أبو حنيفة فقال: ما زاد على الأربعين(23) من البقر فبحسابه، ففي خمسة(24) وأربعين مسنَّةٌ وثُمُنٌ، وفي(25) خمسين مسنَّةٌ وربعٌ، وعلى هذا كلًّ ما زاد قلَّ أو كثر، هذا هو المشهور(26) عن أبي حنيفة، وقد روى(27) أسد بن عَمْرو عن أبي حنيفة مثل قول الجماعة، ولا قول(28) إلَّا قولهم لأنَّهم الحجَّة على من خالفهم، وفي حديث معاذ أنَّه قال: ((لَم يَأمُرنِي رَسُولُ اللهِ صلعم في الأَوْقَاصِ بِشَيءٍ)).


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] في (ز): ((قال)) والمثبت من (م).
[3] قوله: ((أو كما حلف)) ليس في (م).
[4] قوله: ((وسائر الأنعام من أجل....... زكاة البقر)) ليس في (م).
[5] في (م): ((ومقدار المأخوذ)).
[6] قوله: ((متصل)) ليس في (م).
[7] قوله: ((أبي)) ليس في (م).
[8] في (م): ((فأمر)).
[9] قوله: ((ثلاثين)) ليس في (م).
[10] في (م): ((ذلك مضافًا إلى)).
[11] في (م): ((وفي ذلك شذوذ)).
[12] في (م): ((المسيب وأبي قِلابة والزهري أن)).
[13] زاد في (م): ((فإذا جاوزت فـ)).
[14] في (م): ((شاة حتى)).
[15] في (م): ((حبين عن أبي حبيب)).
[16] في (م): ((جهة)).
[17] في (م): ((كزكاة)).
[18] في (ز): ((حزم)) والمثبت من (م).
[19] في (م): ((قال الطبري: وحديث عَمْرو بن هرم واهٍ)).
[20] في (م): ((في الدين)).
[21] في (م): ((ففيها مسنة وتبيع)).
[22] في (م): ((ومحمد وابن أبي ليلى وشذَّ)).
[23] في (م): ((أربعين)).
[24] في (م): ((فبحسابه وذلك في كل خمس)).
[25] زاد في (م): ((كل)).
[26] في (م): ((هذه الرواية المشهورة)).
[27] في (م): ((وروى)).
[28] في (م): ((أقول)).