شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصدقة قبل الرد

          ░9▒ باب: الصَّدقة قبل الرَّدِّ.
          فيه: حَارِثَةُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّيَّ ◙ يَقُولُ(1): (تَصَدَّقُوا فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا، فيَقُولُ الرَّجُلُ: لَوْ جِئْتَ بِهَا بِالأمْسِ(2) لَقَبِلْتُهَا، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلا حَاجَةَ لي فيها(3)). [خ¦1411]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ(4) رسول الله(5) صلعم: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَعْرِضَهُ فَيَقُولَ الذي(6) يَعْرِضُهُ عَلَيْهِ(7): لا أَرَبَ لي فيه). [خ¦1412]
          وفيه: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ يَقُولُ(8): (كُنْتُ عِنْدَ النَّبيِّ ◙ فَجَاءَهُ رَجُلانِ أَحَدُهُمَا يَشْكُو الْعَيْلَةَ، وَالآخَرُ يَشْكُو(9) قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ(10) صلعم: أَمَّا قَطْعُ السَّبِيلِ فَإِنَّهُ لا يَأْتِي عَلَيْكَ إِلَّا قَلِيلٌ حَتَّى تَخْرُجَ الْعِيرُ إلى مَكَّةَ بِغَيْرِ خَفِيرٍ، وَأَمَّا الْعَيْلَةُ فَإِنَّ السَّاعَةَ لا تَقُومُ حَتَّى يَطُوفَ أَحَدُكُمْ بِصَدَقَتِهِ فلا(11) يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ(12)، ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلا تَرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ(13) ثُمَّ لَيَقُولَنَّ لَهُ: أَلَمْ أُوتِكَ مَالًا، فَلَيَقُولَنَّ(14): بَلَى، ثُمَّ لَيَقُولَنَّ(15): أَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ رَسُولًا؟ فَيَقُولَنَّ(16): بَلَى، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلا يَرَى إِلَّا النَّارَ، ثُمَّ يَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلا يَرَى إِلَّا النَّارَ، فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ). [خ¦1413]
          وفيه: أَبُو مُوسَى قَالَ: قَالَ ◙: (لَيَأْتِيَنَّ(17) على النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بصَدقَتِهِ(18) مِنَ الذَّهَبِ ثُمَّ لَا(19) يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا مِنْهُ(20)، وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ، مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ). [خ¦1414]
          فقه(21) هذا الباب: الحضُّ على الصَّدقة، والتَّرغيب فيها(22) ما وُجِد أهلها المستحقُّون لها، خشية أن يأتي الزَّمان الَّذي لا يوجد فيه من يأخذ الصَّدقة، وهو زمان كثرة المال وفيضه قربَ السَّاعة.
          وفي قوله: (فَلْيَتَّقِيَنَّ أَحَدُكُمُ النَّارَ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) حضٌّ(23) على القليل من الصَّدقة.
          وقوله: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) حضٌّ أيضًا على أن لا يحقِّر شيئًا من الخير بالقول والفعل، وإن قَلَّ ذلك إذ(24) كانت الكلمة الطَّيِّبة يتَّقى بها النَّار، فالكلمة الخبيثة يستوجب بها النَّار.
          وقوله ◙: (يُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ، مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ) فهذا _والله أعلم_ يكون عند ظهورِ الفتنِ، وكثرة القتل في النَّاس، وهذا كلُّه من أشراط السَّاعة.
          قال المُهَلَّب: وقوله ◙ في حديث عديٍّ: (لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ(25) حِجَابٌ) فإنَّما هذا على جهةِ(26) التَّمثيل ليفهم الخطاب لأنَّ الله تعالى لا يحيط به شيء ولا يحجبه حجاب، تعالى الله عن ذلك، وإنَّما يستتر تعالى عن أبصارنا بما وضع فينا من الحُجب، والضَّعف عن الإدراك لنوره في الدُّنيا، فإذا كان في الآخرة، وكشف تلك الحجب عن أبصارنا فقوَّاها(27) حتَّى تدرك معاينة ذاته كما قال ◙: ((تَرَونَ رَبَّكُمْ كَما تَرَونَ القَمَرَ لَيلَةَ الْبَدْرِ)).
          وقوله: (حَتَّى يُهِمَّ ربُّ المَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ) قال صاحبُ «العين»: يُقال: أهمَّني الأمر مثل أغمَّني، وهمَّني همًّا رَابَني.
          وقوله: (بِغَيْرِ خَفِيْر) فالخفير المجير، والخفارة الذِّمَّة.


[1] في (م): ((قال النبي صلعم)).
[2] في (م): ((أمس)).
[3] في (م): ((بها)).
[4] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[5] في (م): ((النبي)).
[6] في (ص): ((للّذي)).
[7] قوله: ((يعرضه عليه)) ليس في (م).
[8] قوله: ((بن حاتم يقول)) ليس في (م).
[9] قوله: ((يشكو)) ليس في (م).
[10] في (م): ((النبي)).
[11] في (م): ((لا)).
[12] قوله: ((منه)) ليس في (م).
[13] قوله: ((يترجم له)) ليس في (م).
[14] في (م): ((فيقول)).
[15] قوله: ((ثم ليقولن)) ليس في (م).
[16] في (م): ((فيقول)).
[17] في (م): ((النبي صلعم يأتي)).
[18] في (م): ((بالصدقة)).
[19] في (م): ((من الذهب فلا)).
[20] قوله: ((منه)) ليس في (م).
[21] في (م): ((فيه)).
[22] قوله: ((فيها)) ليس في (ص).
[23] في (ص): ((حضًا)) والموضع التالي.
[24] في (م): ((وإذا)).
[25] في (م): ((ليس بينه وبينه)).
[26] في (م): ((وجه)).
[27] في (م): ((وقواها)).