شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يذكر في الصدقة للنبي

          ░60▒ باب: مَا يُذْكَرُ فِي الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ صلعم.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ(1): (أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا في فِيهِ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: كِخْ كِخْ، لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا شَعَرْتَ أَنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ). [خ¦1491]
          قال المؤلِّف: اختلف العلماء في الصَّدقة المحرَّمة على النَّبيِّ صلعم، فقال الطَّحاويُّ: قال أبو يوسف ومحمَّد: يحرم على بني هاشم صدقة الفريضة والتَّطوُّع، وكره أصبغ بن الفرج لهم فيما بينهم وبين الله أن يأخذوا من التَّطوُّع.
          وقال الطَّحاويُّ: اختلف في ذلك قول أبي حنيفة، فرُوي عنه مثل هذا القول، ورُوي عنه أنَّ صدقة الفريضة وسائر الصَّدقات حلال لبني هاشم، وقال مالك: الصَّدقة المحرَّمة عليهم هي(2) الزَّكاة لا التَّطوُّع، وذكر الطَّبريُّ عن أبي يوسف أنَّه يحلُّ لبني هاشم الصَّدقة بعضهم من بعض، ولا يحلُّ لهم من غيرهم، وذكر الطَّحاويُّ أنَّ علَّة أبي حنيفة في ذلك أنَّ الصَّدقات إنَّما(3) كانت محرَّمة عليهم من أجل ما جعل لهم في الخمس من سهم ذوي(4) القربى، فلمَّا انقطع عنهم ذلك ورجع إلى غيرهم بموت رسول الله صلعم حلَّ بذلك لهم ما كان حرُم عليهم.
          قال المؤلِّف: فأمَّا أهل المقالة الأولى فإنَّهم أخذوا بعموم النَّهي، فكرهوا جميع(5) الصَّدقات، ولا يصحُّ تأويلهم لأنَّ هذه التَّمرة التي أخرج النَّبيُّ ◙(6) من في الحسن بن عليٍّ كان من تمر الصَّدقة المفروضة التي كان يقسمها النَّبيُّ ◙.
          قال الطَّحاويُّ: وإنَّما حرُم على بني هاشم من(7) الصَّدقات لقرابتهم مثل ما حرُم على الأغنياء لأموالهم(8)، فأمَّا الصَّدقة(9) التي يُراد بها طريق الهبات، وإن سُمِّيت صدقاتٍ فلا تدخل في التَّحريم، ألا ترى لو أنَّ رجلًا أوقف داره على غنيٍّ أنَّ ذلك جائزٌ، ولا يمنعه ذلك غناه، وحكم ذلك خلاف حكم سائر الصَّدقات من الزَّكوات والكفَّارات، وكذلك من كان من بني هاشم فذلك لهم حلال، وقد روى الطَّبريُّ عن النَّبيِّ ◙ أنه حرَّم الصَّدقة المفروضة على بني هاشم وهذا نصٌّ قاطع، قال الطَّبريُّ: وفي إخراج النَّبيِّ صلعم التَّمرة من في الحسن فساد قول من زعم أنَّ الصَّدقة المفروضة حلال لآل النَّبيِّ، وفساد قول من زعم(10) أنَّها تحرم عليهم من غيرهم، وأنَّها حلال لبعضهم من بعض، وذلك أنَّ(11) الأخبار وردت أنَّ(12) الصَّدقة محرَّمة عليه وعلى أهل بيته، وبذلك نطق القرآن(13)، وذلك لقوله(14) تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23]، وذلك أنَّه لو حلَّت له الصَّدقة فأخذها منهم، وجد القوم السَّبيل(15) أن يقولوا(16): إنَّما تدعونا إلى ما تدعونا(17) إليه لتأخذ أموالنا وتعطيها إلى(18) أهل بيتك ولا تدعونا إلى سبيل الرَّشاد، ولكنَّه أُمر ◙ بأخذها من أغنياء كلِّ قبيلة وردِّها في فقرائهم ليعلموا أنَّه إنَّما يدعوهم إلى مصلحتهم دون عوض يأخذه منهم، وبذلك بعثت الرُّسل(19) من قبله(20)، فقال(21) نوح(22) إذ كذَّبه قومه، / وقال(23) هود إذ كذَّبته عاد، وقال(24) صالح إذ كذَّبته ثمود: {وما(25) أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أجرٍ(26)}[الشعراء:109]وإنَّما سألوا الأجر من الله تعالى.
          قال المُهَلَّب: وإنَّما حرمت الصَّدقة عليه وعلى آله لأنَّها أوساخ النَّاس، ولأنَّ أخذ الصَّدقة منزلة ذلٍّ(27) وضعة لقوله ◙: ((اليَدُ العُليَا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى))، فجعل يد الَّذي يأخذ السُّفلى، والأنبياء وآلهم منزَّهون من(28) الذُّل والضَّعة والخضوع والافتقار إلى غير الله.
          وقد فرض الله عليه وعلى الأنبياء قبله ألَّا يطلبوا على شيء من الرِّسالة أجرًا، فلو أخذ الصَّدقة لكانت كالأجرة، وكذلك لو أخذها الَّذين تلزمهم صلته(29) لكان ذلك كالواصل إليه، فلذلك حرَّمها عليهم، قال الطَّبريُّ: وأمَّا الَّذين حظروا على بني هاشم أخذ الصَّدقة المفروضة من غيرهم، وأباحوا أخذها من بعضهم لبعض(30) فإنَّهم لا القياس(31) في ذلك أصابوا، ولا خبر الرَّسول صلعم اتَّبعوا(32)، وذلك أنَّ كلَّ صدقة زكاة(33) أوساخ النَّاس، وغسالة ذنوب من أخذت منه هاشميًّا كان أو نبطيًّا، ولم يفرِّق الله ولا رسوله بين شيء منها بافتراق حال المأخوذ ذلك منه، وصاحبهم أشدُّ قولًا منهم لأنَّه لزم ظاهر التَّنزيل، وهو قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ}[التوبة:60]وأنكر الأخبار الواردة بتحريم الصَّدقة على بني هاشم(34)، فلا ظاهر التَّنزيل لزموا، ولا بالخبر عنه ◙ قالوا.
          قال المُهَلَّب: وفي هذا الحديث أنَّ قليل الصَّدقة لا يحلُّ لآل محمَّد بخلاف اللُّقطة الَّتي لا يحرم منها ما لا قيمة له لقوله ◙ في التَّمرة الملقاة: ((لَولَا أنِّي أَخشَى أنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلتُها(35))).
          قال المؤلِّف(36): واختلف العلماء في آل النَّبيِّ صلعم من هم؟ فقال مالك: هم بنو هاشم خاصَّة. قال ابن حبيب: ولا يدخل في آل محمَّد من كان فوق بني هاشم من بني عبد مناف أو بني قصيٍّ أو غيرهم، وهكذا فسَّر(37) ابن الماجِشون ومطرِّف، وحكاه الطَّحاويُّ عن أبي حنيفة، وذكر عبد الرَّزَّاق عن الثَّوريِّ، عن يزيد بن حيَّان التَّيميِّ، قال: سمعت زيد بن أرقم وقيل له: من آل محمَّد الَّذين لا تحلُّ لهم الصَّدقة؟ قال(38): آل عليِّ بن أبي طالب، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل العبَّاس، وقال الشَّافعيُّ: آل محمَّد بنو هاشم، وبنو عبد المطَّلب، أخي هاشم أيضًا ممَّن لا تحلُّ لهم الصَّدقة.
          وقال أصبغ بن الفرج: آل محمَّد الَّذين لا تحلُّ لهم الصَّدقة عشيرته الأقربون، الَّذين ناداهم حين أُنزل عليه: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[الشعراء:214]وهم آل عبد المطِّلب، وآل هاشم، وآل عبد مناف، وقصيٍّ، وقال(39) أصبغ: وقد قيل: قريش كلُّها.
          وقوله: (كِخ كِخ) قال أبو عليٍّ البغداديُّ: يُقال(40) للصَّبيِّ إذا زجروه عن الشَّيء يريد أكله: كِخ كِخ بكسر الكاف مرتين.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] قوله: ((هي)) ليس في (م).
[3] قوله: ((إنما)) ليس في (م).
[4] في (م): ((ذي)).
[5] زاد في (م): ((أنواع)).
[6] في (م): ((لأن هذا التمر الذي أخرج منه النبي ◙ التمرة)).
[7] قوله: ((من)) ليس في (م).
[8] في (م): ((بأموالهم)).
[9] في (م): ((الصدقات)).
[10] في (م): ((قال)).
[11] في (م): ((بأن)).
[12] في (م): ((بأن)).
[13] في (م): ((التنزيل)).
[14] في (م): ((قوله)).
[15] زاد في (م): ((إلى)).
[16] زاد في (م): ((له)).
[17] قوله: ((إلى ما تدعونا)) ليس في (م).
[18] قوله: ((إلى)) ليس في (م).
[19] في (م): ((رسل الله)).
[20] زاد في (م): ((من ذلك)).
[21] في (م): ((قول)).
[22] قوله: ((المساكين ففسدتِ الصَّفقة...... وبذلك بعثت الرُّسل من قبله، فقال نوح)) الورقة ليست في المخطوط (ص).
[23] في (م): ((وكذلك قال)).
[24] في (م): ((وكذلك قال)).
[25] في النسخ و(ص): ((لا)).
[26] في (ز) و(ص): ((عليه أجرًا)) والمثبت من (م).
[27] في (م): ((ولأن أخذها منزلة ذلة)).
[28] في (م): ((عن)).
[29] في (م): ((صلتهم)).
[30] في (م): ((أخذها بعضهم من بعض)).
[31] في (م): ((للقياس)).
[32] في (م): ((رسول الله صلعم فيه)).
[33] في (م): ((وزكاة)).
[34] زاد في (م): ((وهم)).
[35] في (م): ((لأكلها)).
[36] في (م): ((المهلب)).
[37] زاد في (م): ((لي)).
[38] في (م): ((فقال)).
[39] في (م): ((قال)).
[40] في (م): ((قالوا)).