شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل

          ░57▒ باب: أَخْذِ صَدَقَةِ التَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ.
          وَهَلْ يُتْرَكُ الصَّبِيُّ فَيَمَسُّ تَمْرَ الصَّدَقَةِ؟
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ(1) صلعم يُؤْتَى بِالتَّمْرِ عِنْدَ صِرَامِ النَّخْلِ، فَيَجِيءُ هَذَا بِتَمْرِهِ وَهَذَا مِنْ تَمْرِهِ(2)، حَتَّى يَصِيرَ عِنْدَهُ(3) كَوْمًا مِنْ تَمْرٍ، فَجَعَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ بِذَلِكَ التَّمْرِ، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا تَمْرَةً فَجَعَلَهَا في فِيهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ(4) صلعم فَأَخْرَجَهَا مِنْ فِيهِ فَقَالَ: (أَوْ مَا(5) عَلِمْتَ أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لا يَأْكُلُونَ صدَقَة(6)). [خ¦1485]
          قال بعض أهل العلم: سنَّة أخذ(7) صدقة التَّمر عند جداده، لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام:141]، فإن أخرجها عند محلِّها فسُرقت أو سقطت فقال مالك وأبو حنيفة: يجزئ عنه، وهو قول الحسن البصريِّ، وقال الزُّهريُّ والثَّوريُّ وأحمد: هو(8) ضامن لها حتَّى يضعها مواضعها. وقال الشَّافعيُّ: إن كان بقي له من ماله ما فيه زكاة زَكَّاه، وحجَّة القول الأوَّل أنَّ إخراجها موكول إليه، وهو مؤتمن على إخراجها، فإذا أخرجها من ماله وجُعلت في يده جُعلت(9) كيد السَّاعي، وقد اتَّفقنا أنَّ يد السَّاعي يد أمانة، فإذا قبض الزَّكاة ولم يُفرِّط في دفعها وتلِفَتْ بغير صنعه لم يضمن، فكذلك ربُّ المال لأنَّ الزَّكاة ليست متعلِّقة(10) بذمَّته، وإنَّما تجب في ماله، وإذا(11) أخَّر إخراج الزَّكاة حتَّى / هلكت، فقال مالك وأبو حنيفة والشَّافعيُّ: إذا أمكن الأداء بعد حلول الحول وفرَّط حتَّى هلك المال فعليه الضَّمان.
          قال المُهَلَّب: وفيه من الفقه: دفع الصَّدقات إلى السُّلطان، وفيه: أنَّ المسجد قد ينتفع به في أمر جماعة المسلمين لغير الصَّلاة، ألا ترى أنَّ رسول الله صلعم جمع فيه الصَّدقات وجعله مخزنًا لها، وكذلك أمر أن يُوضع فيه مال البحرين وأن يبات عليه حتَّى قسمه فيه، وكذلك كان يقعد فيه للوفود والحكم بين النَّاس، ومثل ذلك ممَّا هو أبين منه لعب الحبشة بالحراب، وتعلُّم المثاقفة، وكلُّ ذلك إذا كان شاملًا لجماعة المسلمين، وإذا(12) كان العمل لخاصَّة النَّاس فيكره مثل الخياطة والجزارة، وقد كره قوم التَّأديب في المسجد لأنَّه خاصٌّ، ورخَّص فيه آخرون لما يُرجى من نفع تعلُّم القرآن فيه، وفيه: جواز دخول الأطفال في(13) المسجد واللَّعب فيه بغير ما يسقط حرمته إذا كان الأطفال ممَّن إذا نُهوا انتهوا، وفيه: أنَّه ينبغي أن يجنَّب الأطفال ما يجنَّب(14) الكبار من المحرمات، وفيه: أنَّ الأطفال إذا نُهوا عن الشَّيء(15) يجب أن يعرفوا لأيِّ شيء نُهوا عنه، ليكبروا(16) على العلم ليأتي(17) عليهم وقت التَّكليف وهم على علمٍ من الشَّريعة.
          وقال الطَّبريُّ: وفيه الدَّليل على أنَّ لأولياء(18) الصِّغار المعاتبة وتجنيبهم(19) التَّقدُّم على ما يجب على الأصحَّاء البالغين الانزجار عنه، والحول بينهم وبين ما حرَّم الله على عباده فعله، وذلك أنَّ النَّبيَّ صلعم استخرج التَّمرة من الصَّدقة من في الحسن، وهو طفل لا تلزمه الفرائض ولم تجرِ عليه الأقلام، ولا شكَّ أنَّه لو أكل جميع تمر الصَّدقة لم تلزمه تبعة عند الله وإن لزم ماله غرمه، فلم يخلِّه رسول الله صلعم يأكل(20) لا من أجل ما كان يلزمه من ضمان(21) ذلك، ولكن من أجل أنَّه كان ممَّا حرَّم الله على(22) أهل التَّكليف من أهل بيته، فبان بذلك أنَّ الواجب على وليِّ الطِّفل والمعتوه إن رآه قد(23) تناول خمرًا يشربها(24) أو لحم خنزير يأكله(25) أو مالًا لغيره ليتلفه(26) أن يمنعه من فعله، ويحول بينه وبين ذلك.
          وفيه: الدَّليل الواضح على صحَّة قول القائلين أنَّ على وليِّ الصَّغيرة المتوفَّى عنها زوجها أن يجنِّبها الطِّيب والزِّينة والمبيت عن المسكن الَّذي تسكنه والنِّكاح، وجميع ما يجب على البوالغ المعتدَّات اجتنابه، وخطأ قول من قال: ليس ذلك على الصَّغيرة اعتلالًا منهم أنَّها غير متعبَّدة بشيءٍ من الفرائض، لأنَّ الحسن كان لا تلزمه الفرائض، فلم يكن لإخراج التَّمرة من فيه معنى إلَّا من أجل ما كان على النَّبيِّ صلعم من منعه ما على المكلَّفين الامتناع منه من أجل أنَّه وليُّه.


[1] في (م): ((أبو هريرة كان النبي)).
[2] في (م): ((هذا بتمره وهذا بتمره)).
[3] قوله: ((كومًا)) ليس في (م).
[4] في (م): ((النبي)).
[5] في (م): ((أما)).
[6] في (م): ((الصدقة)).
[7] في (م): ((الصدقة.. السنة أخذ)).
[8] في (م): ((وهو)).
[9] في (م): ((وحصلت في يده حصلت يده)).
[10] في (م): ((معلقة)).
[11] في (م): ((وأما إذا)).
[12] في (م): ((وأما إذا)).
[13] قوله: ((في)) ليس في (م).
[14] في (م): ((مما يجنبه)).
[15] في (م): ((شيء)).
[16] قوله: ((ليكبروا)) ليس في (م).
[17] في (م): ((فيأتي)).
[18] في (م): ((فيه على أن على أولياء)).
[19] في (م): ((والمعاتبة بتجنيبهم)).
[20] في (م): ((يأكلها)).
[21] في (ز): ((ضمن)) والمثبت من (م).
[22] في (م): ((حرم على)).
[23] قوله: ((قد)) ليس في (ص).
[24] في (م): ((ليشربها)).
[25] في (م): ((ليأكله)).
[26] في (م): ((يتلفه)).