شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من تصدق في الشرك ثم أسلم

          ░24▒ باب: مَنْ تَصَدَّقَ في الشِّرْكِ ثُمَّ أَسْلَمَ.
          فيه: حَكِيمُ بْنُ حِزَام قالَ(1): قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا في الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ عَتَاقَةٍ أَوْ صِلَةِ(2) رَحِمٍ، فَهَلْ فِيهَا مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ(3) صلعم: أَسْلَمْتَ على مَا سَلَفَ مِنْ خَيْرٍ). [خ¦1436]
          قال بعض أهل العلم(4): معنى هذا الحديث أنَّ كلَّ مشرك أسلم أنَّه يُكتب له(5) كلُّ خير عمله قبل إسلامه، ولا يُكتبُ عليه بشيء من سيِّئاته لأنَّ الإسلام يهدم ما قبله من الشِّرك، وإنَّما كتبَ(6) له الخير لأنَّه(7) أراد به وجه الله، لأنَّهم كانوا مقرِّين بالله إلَّا أنَّ علمهم كان(8) مردودًا عليهم لو ماتوا على شركهم، فلمَّا أسلموا تفضَّل الله عليهم، فكتب لهم الحسنات، ومحا عنهم السيِّئات، كما قال ◙: ((ثَلاثةٌ يُؤتَونَ أَجرَهُم مَرَّتَينِ، رَجلٌ مِنْ أَهلِ الكِتابِ آمَنَ بِنَبيِّهِ، وآمَنَ بِمَحمَّدٍ)).
          وممَّا يدلُّ(9) على(10) ذلك ما رواه عبد الله بن وهب، قال: حدَّثنا(11) مالك عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريُّ عن النَّبيِّ صلعم قال: ((إِذَا أَسلَمَ الكَافِرُ فَحَسُنَ إِسَلامُهُ، يَكتُبُ(12) اللهُ كلَّ حَسَنةٍ كانَ زَلَفَها، وَمَحا عنهُ كلَّ سيِّئةٍ كانَ زَلفَها، وكانَ عملَهُ بَعْدُ الحَسَنَةُ بِعَشرِ(13) أَمْثالِها إِلَى سَبعِ مِائةِ ضِعفٍ، والسَّيئةُ مِثلُهَا(14) إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللهُ)).
          قال المُهَلَّب: ولعلَّ حكيمًا لو مات على جاهليَّته أن يكون ممَّن يُخفف عنه من عذاب النَّار، كما جاء في أبي طالب أنَّه أخفُّ أهل النَّار عذابًا، ومثل ذلك ما روى عبد الرَّزَّاق عن معمر، عن الزُّهريِّ، أنَّ أبا لهبٍ أعتق جاريةً يُقال لها: ثويبة، وكانت قد أرضعت النَّبيَّ ◙ فرأى أبا لهبٍ بعضُ أهله في النَّوم(15)، فسأله فقال: ما وجدتُ بعدَكُم من(16) راحةٍ غير أنِّي سُقيت في هذه، وأشار إلى النُّقرة الَّتي تحت إبهامه، بعِتْقِي ثويبة. وسيأتي في كتاب(17) عتق المشرك، اختلاف أهل العلم في عتق المشرك إن شاء الله. [خ¦2538]


[1] قوله: ((بن حزام قال)) ليس في (م).
[2] في (م): ((وصلة)).
[3] زاد في (م): ((النبي)).
[4] قوله: ((قال بعض أهل العلم)) ليس في (م).
[5] زاد في (م): ((أجر)).
[6] في (م): ((يكتب)).
[7] زاد في (م): ((إنما)).
[8] في (م): ((إلا أنه كان عملهم))، وفي (ص): ((إلا أن عملهم كان)).
[9] في (م): ((ويدل)).
[10] زاد في (م): ((صحة)).
[11] في (م): ((ما رواه ابن وهب عن)).
[12] في (م): ((كتب)).
[13] في (ص): ((بعشرة)).
[14] في (م): ((بمثلها)).
[15] في (م): ((في النوم بعض أهله)).
[16] قوله: ((من)) ليس في (م).
[17] زاد في (م): ((العتق في باب)).