شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب صدقة السر

          ░13▒ باب: صدقة السِّرِّ. قَالَ الرَّسول ◙(1): (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ(2) فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ(3) يَمِينُهُ). وَقَوْلِهِ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هي وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا(4) الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ(5)}الآية[البقرة:271].
          عند كافة العلماء أنَّ صدقة السِّرِّ في(6) التَّطوُّع أفضل من العلانية، وتأوَّلوا قوله ◙: (فَأَخْفَاهَا حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُه)، أنَّ المراد بذلك صدقة التَّطوُّع، ورُوي عن ابن عبَّاس في قوله: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}الآية[البقرة:271]. قال: جعل الله تعالى صدقة التَّطوُّع في السِّرِّ تفضل علانيتها بسبعين ضعفًا، وجعل صدقة الفرض(7) علانيتها أفضل من سرِّها(8) بخمسة وعشرين ضعفًا، وكذلكَ جميع الفرائض، والنَّوافل في الأشياءِ كلِّها. وقال سفيان: {إِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ}[البقرة:271]قال: سِوى الزَّكاة، وهذا قول كالإجماع.
          وقوله: (حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُه) مَثَلٌ ضربه في المبالغة بالاستتار بالصَّدقة لقرب الشِّمال من اليمين، وإنَّما أراد بذلك أن لو أراد(9) ألا يعلم من يكون شماله من النَّاسِ ما تتصدَّق به يمينُه لشدَّة استتاره، وهذا على المجاز كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}[يوسف:82]لأنَّ الشِّمال لا توصفُ بالعلمِ.
          وقوله تعالى: {وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[البقرة:271]أي والله بما تعملون(10) في صدقاتكم من إخفائها / وإعلانها، وفي غير ذلك من أموركم ذو خبرةٍ وعلمٍ لا يخفى عليه شيءٌ(11)، فهو محيطٌ به مُحْصٍ(12) له على أهله حتَّى يوفِّيهم جزاء قليله وكثيره.


[1] في (م): ((وقال النبي صلعم)).
[2] قوله: ((بصدقة)) ليس في (م).
[3] في (م): ((تنفق)).
[4] في (م): ((وتؤتها)).
[5] في (ز) و(ص): ((وإن تخفوها وإذا تصدق على غني وهو ولا يعلم)).
[6] قوله: ((السر في)) ليس في (م).
[7] في (م): ((الفريضة)).
[8] زاد في (م): ((يقال)).
[9] في (م): ((قدر)).
[10] زاد في (ز): ((خبير)) وحذفها أليق بالسياق.
[11] زاد في (م): ((منه)).
[12] في (ز): ((محضر)) والمثبت من (م).