شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب وسم الإمام إبل الصدقة بيده

          ░69▒ باب: وَسْمِ الإمَامِ إِبِلَ الصَّدَقَةِ بِيَدِهِ.
          فيه: أَنَس قَالَ(1): (غَدَوْتُ إلى النَّبيِّ صلعم بِعَبْدِ اللهِ بْنِ أبي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ(2)، فوافَقتُه في يَدِهِ(3) الْمِيسَمُ يَسِمُ إِبِلَ الصَّدَقَةِ). [خ¦1502]
          قال المُهَلَّب: فيه من الفقه: أنَّ للإمام أن يتناول أمور(4) المسلمين بنفسه ويلي أمر الصَّدقة(5) بيده، وفيه: جواز إيلام الحيوان وبني آدم، إذا كان في ذلك منفعةٌ، وكان ألمًا لا يجحف بهم.
          قال الطَّبريُّ: وقد تظاهرت الأخبار عن الصَّحابة والتَّابعين أنَّهم وسموا البهائم، وروى يحيى بن سعيد عن ابن جُريج، / عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن النَّبيِّ ◙: ((أنَّهُ نّهى عنِ الوَسمِ في الوَجهِ)). وروى ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صلعم لعن رسول الله من(6) يسم في الوجه.
          قال الطَّبريُّ: فغير جائز لأحد عَرف نهي النَّبيِّ صلعم عن الوسم في الوجه أن يسم بهيمة(7) في وجهها، فإن قال: فأيُّ المواضع يجوز الوسم فيه؟ قيل: حيث شاء ربُّها إذا عدا به وجهها، وإن كان أحبَّ الأماكن أن يسم من الإبل والبغال والحمير جاعرتها(8)، ومن الغنم آذانها، وقد روى شعيب(9) عن هشام بن زيد قال: سمعت أنس بن مالك يقول: غدوت إلى النَّبيِّ بعبد الله بن أبي طلحة ليحنِّكه، فإذا النَّبيُّ يسم غنمًا(10). قال شعبة: وأكبر علمي أنَّه قال: في آذانها، ورُوي(11) عن عُمَر بن عبد العزيز أنَّه وسم الخيل الَّتي حمل عليها في سبيل الله في أفخاذها، ورُوي عنه ◙ خبر في إسناده نظر أنَّه أمر بوسم الإبل في أفخاذها.
          قال المُهَلَّب: وفيه: أنَّ للإمام أن يتَّخذ ميسمًا لخيله ولخيل السَّبيل ليميز بعضها من بعض، وليس للنَّاس أن يتَّخذوا مثل خاتمه وميسمه، لينفرد السُّلطان بعلامة لا يشارَك فيها، وفيه: أنَّ الطِّفل إذا وُلِدَ حَسُنَ أن يُقْصَدَ به أهل الفضل والصَّلاح ليحنِّكوه(12) ويدعوا له بالبركة، وتلك كانت عادة النَّاس بأبنائهم في زمن رسول الله صلعم تبرُّكًا بريقه ودعوته ويده صلعم.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] زاد في (م): ((بتمرة)).
[3] في (م): ((فوافيته في يده)).
[4] في (ز) و(ص): ((أموال)) والمثبت من (م).
[5] في (م): ((الصدقات)).
[6] في (م): ((عن النبي أنه لعن من)).
[7] في (م): ((بهمته)).
[8] في (م) صورته: ((عرابها)). والجاعرتان: لحمتان تكتنف أصل الذنب. اللسان: «جعر».
[9] في (م): ((شعبة)).
[10] العبارة في (م): ((سمعت أنس بن مالك أن أمه حين ولدت انطلقوا بالصبي إلى النبي صلعم يحنكه فإذا النبي صلعم في مربد يسم غنمًا)).
[11] في (م): ((وقد روي)).
[12] في (م): ((فيحنكوه)).