شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب أي الصدقة أفضل؟

          ░11▒ باب: فَضْلِ صَدَقَةِ الصَّحِيحِ الشَّحِيحِ.
          كِقَوْلِه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْع فِيهِ وَلا خِلالٌ}[البقرة:254]{وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} إلى آخره(1)[المنافقون:10].
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ(2): (جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ ◙ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ(3)، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قَالَ: أَنْ تَصَدَّقَ، وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ، قُلْتَ: لِفُلانٍ كَذَا وَلِفُلانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلانٍ). [خ¦1419]
          فيه: أنَّ أعمال البرِّ كلَّما صعبت كان أجرها أعظم، لأنَّ الصَّحيح الشَّحيح إذا خشي الفقر، وأمل الغنى صَعُبَتْ عليه النَّفقة(4)، وسَوَّلَ له الشَّيطَّان طول العمر وحلول الفقر به، فمن تصدَّق في هذه الحال، فهو مؤثِر لثواب الله على هوى نفسِه، وأمَّا إذا تصدَّق عند خروج نفسه فيُخشى عليه الضِّرار بميراثه والجوار(5) في فعله، ولذلكَ قالَ ميمونُ بن مِهْرَانَ حين قيل له: إنَّ رقية امرأة هشام ماتت، وأعتقت كلَّ مملوك لها، فقال ميمون: يعصون الله في أموالهم مرَّتين، يبخلون بها وهي في أيديهم، فإذا صارت لغيرهم أسرفوا فيها.


[1] في (م): ((لِقَوْله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ... إلى قوله: فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعَ فِيهِ} الآية)).
[2] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[3] قوله: ((يا رسول الله)) ليس في (م).
[4] في (م): ((الصدقة)).
[5] في (م) و(ص): ((والجور)).