شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: اتقوا النار ولو بشق تمرة

          ░10▒ بَابُ: اتَّقوا النَّارَ ولو بشقِّ تمرة، والقليلُ من الصَّدقةِ.
          {وَمَثَلُ الَّذِينَ(1) يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ(2)} إلى قوله: {فيها مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}[البقرة:265-266]فيه: ابنُ(3) مَسْعُودٍ قَالَ(4): لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الصَّدَقَةِ كُنَّا نُحَامِلُ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، فَقَالُوا: مُرَائِي، وَجَاءَ رَجُل فَتَصَدَّقَ(5) بِصَاعٍ، فَقَالُوا: إِنَّ اللهَ / لَغَنِيٌّ(6) عَنْ صَاعِ هَذَا، فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ في الصَّدَقَاتِ}الآية[التوبة:79]. [خ¦1415]
          قَالَ(7) أَبُو مَسْعُودٍ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم إِذَا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلى السُّوقِ فَيُحَامِلُ(8) فَيُصِيبُ الْمُدَّ، وَإِنَّ لِبَعْضِهِمُ الْيَوْمَ لَمِائَةَ أَلْفٍ).
          وفيه: عَدِيٌّ سَمِعْتُ النَّبيَّ ◙ يَقُولُ: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ). [خ¦1417]
          وفيه: عَائِشَةَ، دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا(9) ابْنَتَانِ(10) لَهَا تَسْأَلُ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ(11) النَّبيُّ ◙ عَلَيْنَا(12) فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: (مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ). [خ¦1418]
          قال المؤلِّف(13): قوله: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) حضٌّ على الصَّدقة بالقليل، وقد تصدَّقت عائشة بتمرةٍ، وتصدَّقت بحبَّةِ عنبٍ، وقالت: كم فيها من مثاقيل الذَّرِّ. ومثلُه قوله ◙ لأبي تَمِيمَة الهُجَيميِّ: ((لَا تَحقِرَنَّ شيئًا مِنَ المَعرُوفِ وَلَو أَنْ تَضَعَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ المُسْتِقِي)).
          وفي حديث أبي مسعودٍ ما كان عليه السَّلف من التَّواضع والحرص على الخير واستعمالهم أنفسهم في المهن والخدمة رغبةً(14) منهم في الوقوف عِنْدَ حدود الله والاقتداء بكتابه، وكانوا لا يتعلَّمون شيئًا من القرآن إلَّا للعمل به، فكانوا يحملون على ظهورهم للنَّاس(15) ويتصدَّقون بالثَّمن لعدم المال عندهم ذلك الوقت(16).
          وقوله: ((17) نُحَامِلُ) يعني نحمل لغيرنا، ونحامِل وزنه نفاعِل، والمفاعلة لا تكون إلَّا من اثنين كالمبايعة والمعاملة(18)، ألا ترى أنَّه حين نزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً}[المجادلة:12]شقَّ عليهم العمل بها، فنُسِخت عنهم بقوله: {فَإِن(19) لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}(20)[المجادلة:13].
          وقال عليُّ بن أبي طالب: إنَّ في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي، كان لي دينار فصرفته، فكنت إذا ناجيتُ رسول الله تصدَّقت بدرهمٍ حتَّى نفذَ، ثمَّ نُسِخت.
          وفي(21) حديث عائشة أنَّ النَّفقة على البنات، والسَّعي عليهنَّ من أفضل أعمال البرِّ(22).


[1] في (م): ((وقوله تعالى: الذين)).
[2] زاد في (م): ((ابتغاء مرضاة الله)).
[3] في (م): ((أبو)).
[4] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[5] قوله: ((بِشَيْءٍ كَثِيرٍ، فَقَالُوا: مُرَائِي، وَجَاءَ رَجُل فتصدق)) ليس في (م).
[6] في (م): ((غني)).
[7] في (م): ((وقال)).
[8] في (م): ((يحامل)).
[9] في (م): ((ومعها)).
[10] في (م): ((بنتان)).
[11] في (م): ((ثم دخل)).
[12] قوله: ((علينا)) ليس في (م).
[13] قوله: ((قال المؤلف)) ليس في (م).
[14] في (م): ((على الخير وامتهانهم أنفسهم في الأعمال الشاقة عليهم رغبة)).
[15] في (م): ((للناس على ظهورهم)).
[16] في (م): ((عندهم حينئذ)).
[17] زاد في (ص): ((كنَّا)).
[18] قوله: ((وقوله: نحامل يعني نحمل لغيرنا،...... كالمبايعة والمعاملة)) أتى في (م) بعد قوله: ((وقال عليُّ بن أبي طالب: إن.... حتى نفذ، ثم نُسخت)).
[19] في (م): ((فإذ)).
[20] زاد في (م): ((وأطيعوا الله ورسوله)).
[21] في (ز) و(ص): ((وفيه)) والمثبت من (م).
[22] زاد في (م): ((وأن ذلك ينجي من النار)).