شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر

          ░48▒ باب: الزَّكَاةِ على الزَّوْجِ وَالأيْتَامِ في الْحَجْرِ.
          قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبيِّ صلعم.
          فيه: زَيْنَبُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسعُودٍ: (أنَّها كَانَتْ تُنْفِقُ على عَبْدِ اللهِ(1) وَأَيْتَامٍ في حَجْرِهَا، فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللهِ: سَلْ رَسُولَ اللهِ صلعم أَيجْزِئ عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعلى أَيْتَامٍ(2) في حَجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللهِ، صلعم، فَانْطَلَقْتُ إلى النَّبيِّ صلعم فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ على الْبَابِ حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي(3)، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلالٌ فَقُلْنَا: سَلِ النَّبيَّ ◙: أَيجْزِئُ عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ على زَوْجِي، وَأَيْتَامٍ لي في حَجْرِي؟ قَالَ: نَعَمْ، لَهَا أَجْرَانِ(4): أَجْرُ الْقَرَابَةِ، والصَّدقةِ). [خ¦1466]
          وفيه: أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: (يَا رَسُولَ اللهِ(5)، أَلِيَ أَجْرٌ أَنْ أُنْفِقَ على بَنِي أبي سَلَمَةَ، إِنَّمَا هُمْ بَنِيَّ؟ فَقَالَ: أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ، فَلَكِ أَجْرُ مَا أَنْفَقْتِ(6)). [خ¦1467]
          قال ابن المنذر: أجمع العلماء أنَّ الرَّجل لا يعطي زوجته من الزَّكاة لأنَّ نفقتها تجب عليه(7) وهي غنيَّةٌ بغناه، واختلفوا في المرأة هل تعطي زوجها من الزَّكاة؟ فأجاز ذلك أبو يوسف ومحمَّد والشَّافعيُّ وأبو ثورٍ وأبو عبيد، وجوَّزه أشهب إذا لم يرجع إليها شيء(8) من ذلك، ولا جعله(9) وقاية لمالها فيما يلزم نفسها من مواساته وتأدية حقِّه، فإن رجع إليها شيء من ذلك لم يجزئها.
          وقال مالك: لا تعطي المرأة زوجها من زكاة مالها. وهو قول أبي حنيفة(10).
          واحتجَّ من جوَّز ذلك بحديث زينب امرأة ابن مسعود، وقالوا: جائز أن تعطيه من الزَّكاة لأنَّه داخل في جملة الفقراء الَّذين تحلُّ لهم الصَّدقة، وأيضًا فإنَّ كلَّ من لا يلزم الإنسان(11) نفقته فجائز أن يضع فيه الزَّكاة، والمرأة لا يلزمها النَّفقة على زوجها ولا على بنيه، قال المُهَلَّب: والدَّليل على أنَّ المرأة لا تلزمها النَّفقة على بنيها قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ}[البقرة:233].
          واحتجَّ عليهم المقالة الثَّانية(12) فقالوا: إنَّ تلك الصَّدقة الَّتي في حديث زينب إنَّما كانت من غير الزَّكاة، وقد بيَّن ذلك ما رواه اللَّيث عن هشام بن(13) عروة عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله، عن رائطة بنت عبد الله امرأة عبد الله بن مسعود، وكانت امرأة صنعاء وليس لعبد الله بن مسعود مال، فكانت تنفق عليه و على ولده منها، فقالت: لقد شغلتني والله أنت وولدك عن الصَّدقة فما أستطيع أن أتصدَّق معكم بشيءٍ، فقال: ما أحبُّ إن لم يكن لك في ذلك أجر أن تفعلي، فسألت رسول الله صلعم هي وهو فقالت: يا رسول الله، إنِّي امرأةٌ ذات صنعةٍ أبيع منها، وليس لزوجي ولا لولدي شيءٌ، فشغلوني فلا أتصدَّق، فهل لي فيهم أجر؟ فقال: ((لَكِ فِي ذَلِكَ أَجرُ مَا أَنفَقتِ عَلَيهِم فَأنفِقِي عَلَيهم)).
          قال الطَّحاويُّ: ففي هذا الحديث أنَّ تلك الصَّدقة لم تكن زكاة، ورائطة هذه هي زينب امرأة عبد الله، لا نعلم أنَّ عبد الله كانت له امرأة غيرها في زمن رسول الله صلعم، فكانت تنفق عليه وعلى ولده من عمل يدها، وقد أجمعوا أنَّه لا يجوز أن تنفق(14) على ولدها من زكاتها، فلمَّا كان ما أنفقت على ولدها ليس من الزَّكاة، فكذلك ما أنفقت على زوجها ليس من الزَّكاة، وقد روى أبو هريرة عن النَّبيِّ صلعم مثل ذلك، حدَّثنا فهد، حدَّثنا عليُّ بن مَعْبَد، حدَّثنا إسماعيل بن أبي كثير(15) عن عُمَر(16) بن نبيه الكعبيِّ عن المقبريِّ عن أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلعم انصرف من صلاة الصُّبح(17)، فأتى على النِّساء في المسجد فقال: ((يَا مَعشَرَ النِّسَاءِ، مَا رَأيتُ مِنْ ناقِصاتِ عَقلٍ ودِينٍ أَذهَبَ بِعقُولِ ذَوي الألبابِ مِنكُنَّ، إنِّي رَأيتُكُنَّ أَكثَرَ أَهلِ النَّارِ، فَتَقَرَّبنَ إلى اللِه مَا استَطَعتُنَّ)). وكان في النِّساء امرأة عبد الله(18)، فانصرفت إلى ابن مسعودٍ(19) فأخبرته بما سمعت من رسول الله(20) صلعم، وأخذت حليًّا لها، فقال ابن مسعود: أين تذهبين بهذا الحليِّ؟ فقالت: أتقرَّب به إلى الله وإلى رسول الله(21) لعلَّ الله ألَّا يجعلني من أهل النَّار. قال: هلُّمي ويلك، تصدَّقي به عَليَّ وعلى ولدي. فقالت: لا والله حتَّى أذهب به إلى رسول الله صلعم، فذهبت به فسألته، فقال: ((تَصَدَّقِي بِهِ عَلَيهِ، وعَلَى بَنِيهِ فَإِنَّهُم لَهُم(22) مَوضِعٌ)). فبيَّن رسول الله صلعم أنَّه أراد بقوله: ((تَصَدَّقِي(23))) صدقة التَّطوُّع التي تكفَّر بها الذُّنوب لأنَّه أمرها بالصَّدقة بكلِّ الحليِّ، وذلك من التَّطوُّع لا من الزَّكاة لأنَّ الزَّكاة لا توجب الصَّدقة بكلِّ المال، وإنَّما توجب الصَّدقة بجزء منه، وهذا دليل على فساد تأويل أبي يوسف ومن ذهب مذهبه، فقد بطل بما ذكرنا أن يكون في حديث زينب ما يدلُّ أنَّ المرأة تعطي زوجها من زكاة مالها إذا كان فقيرًا.


[1] في (م): ((على ابن مسعود)).
[2] في (م): ((أيتامي)).
[3] قوله: ((فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأنْصَارِ على الْبَابِ حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي)) ليس في (م).
[4] في (م): ((فمر عليها بلال فسأل النبي صلعم عن ذلك فقال: لها أجران)).
[5] في (م): ((أم سلمة قالت للنبي صلعم)).
[6] زاد في (م): ((عليهم)).
[7] صورتها في (ز): ((لأن نفقتها لا تجب وعليه)).
[8] في (م) صورتها: ((بشيء)) في الموضعين.
[9] في (م): ((جعلته)).
[10] في (م): ((وقال مالك وأبو حنيفة: لا يجوز أن تعطي زوجها من زكاتها)).
[11] في (م): ((المرأة)).
[12] في (م): ((قال الطحاوي واحتج عليهم أهل المقالة الثانية)).
[13] في (م): ((عن)).
[14] في (م): ((أجمعوا أنها لا تنفق)).
[15] زاد في (م): ((الأنصاري)).
[16] في (م): ((عمرو)).
[17] زاد في (م): ((من صلاة يومًا)).
[18] في (م): ((امرأة ابن مسعود)).
[19] في (م): ((فانقلبت إليه)).
[20] في (م): ((النبي)).
[21] في (م): ((أتقرب إلى الله وإلى رسوله)).
[22] في (م): ((عليه وعليهم فإنه لهم)).
[23] في (م): ((تصدقن)).