شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يستخرج من البحر

          ░65▒ باب: مَا يُسْتَخْرَجُ مِنَ الْبَحْرِ.
          وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ الْعَنْبَرُ بِرِكَازٍ(1) هُوَ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ.
          وَقَالَ الْحَسَنُ: في الْعَنْبَرِ وَاللُّؤْلُؤِ الْخُمُسُ، وَإِنَّمَا جَعَلَ النَّبيُّ صلعم في الرِّكَازِ الْخُمُسَ لَيْسَ(2) الَّذي يُصَابُ في الْمَاءِ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قال: قَالَ(3) النَّبيُّ صلعم: (إنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ(4) بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ(5) يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَخَرَجَ في الْبَحْرِ فَلَمْ يَجِدْ مَرْكَبًا، فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فِيهَا أَلْفَ دِينَارٍ فَرَمَاها في الْبَحْرِ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ الَّذي كَانَ أَسْلَفَهُ فَإِذَا بِالْخَشَبَةِ فَأَخَذَهَا لأهْلِهِ حَطَبًا)، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ(6)، (فَلَمَّا نَشَرَهَا وَجَدَ الْمَالَ). [خ¦1498]
          اختلف العلماء في العنبر واللُّؤلؤ حين يخرجان من البحر هل فيهما خمسٌ أم لا؟ فجمهور العلماء(7) على ألَّا شيء فيهما، وأنَّهما كسائر العروض، وهذا(8) قول أهل المدينة والكوفيِّين(9) واللَّيث والشَّافعيِّ وأحمد وأبي ثور، وقال أبو يوسف: في اللُّؤلؤ والعنبر وكلِّ حلية تخرج من البحر الخمس. وهو قول عُمَر بن عبد العزيز والحسن البصريِّ وابن شهاب.
          قال ابن القصَّار: وهذا غلط لأنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((وَفِي(10) الرِّكَازِ الخُمُسُ)) فدلَّ أنَّ غير الرِّكاز لا خمس فيه، والبحر لا ينطلق عليه اسم ركاز، واللُّؤلؤ والعنبر(11) متولِّدان من حيوان البحر فأشبها المسك(12) والصَّدف.
          قال غيره: وحجَّة أخرى أنَّ الله فرض الزَّكاة، فقال(13): {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} فأخذ الرَّسول(14) من بعض الأموال دون بعض، فعلمنا أنَّ الله تعالى لم يُرد(15) جميع الأموال، فلا سبيل إلى إيجاب زكاة إلَّا فيما أخذه رسول الله صلعم ووقف عليه أصحابه.
          قال المُهَلَّب: في أخذ الرَّجل الخشبة حطبًا لأهله دليل أنَّ ما يوجد في البحر من متاع البحر وغيره أنَّه لا شيء فيه، وهو لمن وجده حتَّى يستحقَّ ما ليس من متاع البحر من الأموال كالدَّنانير والثِّياب وشبه ذلك، فإذا استحقَّ رُدَّ إلى مستحقِّه، وما ليس له طالب ولم تكن له كبير قيمة وحكم بغلب(16) الظَّنِّ بانقطاعه كان لمن وجده ينتفع به، ولا يلزمه فيه تعريف إلَّا أن يوجد فيه دليل يستدلُّ به على مالكه كاسم(17) رجلٍ معلومٍ، أو علامة، فيجتهد فيه الفقهاء في أمر التَّعريف له.
          وفيه: أنَّ الله تعالى متكفِّلٌ بعون من أراد(18) الأمانة ومعينه على ذلك.
          وفيه: أنَّ الله يجازي أهل(19) الإرفاق بالمال بحفظه عليهم مع الأجر المدَّخر(20) لهم في الآخرة، كما حفظه على المسلف حين ردَّه الله إليه(21)، وهذان فضلان(22) كبيران لأهل المواساة والثِّقة بالله والحرص على أداء الأمانة. وفيه: دليل على جواز ركوب البحر بأموال النَّاس والتِّجارة فيه.


[1] زاد في (م): ((إنما)).
[2] زاد في (م): ((في)).
[3] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[4] في (م): ((سأل آخر من)).
[5] في (م): ((بأن)).
[6] قوله: ((فذكر الحديث)) ليس في (م).
[7] في (م): ((الفقهاء)).
[8] في (م): ((هذا)).
[9] في (م): ((والكوفة)).
[10] في (م): ((في)).
[11] في (م): ((والعنبر واللؤلؤ)).
[12] في (م): ((السمك)).
[13] في (م): ((وقال)).
[14] في (م): ((فأخذ ◙)).
[15] في (م) صورتها: ((يرجه)).
[16] في (م): ((بغلبة)).
[17] في (م): ((باسم)).
[18] زاد في (م): ((أداء)).
[19] في (م): ((يجازي على أهل)).
[20] في (م): ((المدخور)).
[21] في (م): ((حين رد إليه)).
[22] قوله: ((فضلان)) ليس في (م).