شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا تصدق على غني وهو لا يعلم

          ░14▒ باب: إِذَا تَصَدَّقَ على غَنِيٍّ وَهُوَ لا يَعْلَمُ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبيَّ ◙ قَالَ: (قَالَ رَجُلٌ: لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ(1) فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ على سَارِقٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدَيْ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ على زَانِيَةٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ على زَانِيَةٍ(2) ! لأتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا في يَدَيْ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ تُصُدِّقَ على غَنِيٍّ، فَقَالَ(3): اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ على سَارِقٍ وَعلى زَانِيَةٍ وعلى غَنِيٍّ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ على سَارِقٍ فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وَأَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا أَنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِنَاهَا، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَعَلَّهُ أنْ(4) يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ). [خ¦1421]
          قال المُهَلَّب: قوله: (أُتِيَ(5) فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ على سَارِقٍ) إلى آخر الحديث، يعني أنَّه أُري(6) ذلك في المنام، والرُّؤيا حقٌّ.
          وقوله: (فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ) فإنَّ لعلَّ من الله على معنى القطع والحتم(7)، ودلَّ ذلك أنَّ صدقة الرَّجل على السَّارق والزَّانية والغنيِّ قد تقبَّلها الله لأنَّها إذا كانت سببًا إلى ما يرضي الله فلا شكَّ في فضلها وقبولها.
          واختلف الفقهاء(8) في الَّذي يعطي الفقير من الزَّكاة على ظاهر فقره ثمَّ تبيَّن(9) غناه، فقال الحسن البصريُّ: إنَّها تجزئه. وهو قول أبي حنيفة ومحمَّد قالوا: لأنَّه قد اجتهد، وأعطى فقيرًا عنده، وليس عليه إلَّا(10) الاجتهاد. وأيضًا فإنَّ الصَّدقة إذا خرجت من مال المتصدِّق على نيَّة الصَّدقة أنَّها جازية عنه حيث وقعت ممَّن بسط إليها يدًا(11) إذا كان مسلمًا بدليل هذا الحديث.
          قال المُهَلَّب: وقال أبو يوسف والثَّوريُّ(12) والحسن بن حيٍّ والشَّافعيُّ: لا تجزئه لأنَّه لم يضع الصَّدقة موضعها، وقد أخطأ في اجتهاده كما(13) لو نسي الماء في رحله، وتيمَّم لصلاته(14) لم تجزئه صلاته. واختلف قول ابن القاسم: أنَّه تجزئه، وقد قال: لا تجزئه، قال(15) ابن القصَّار: وقول مالك يدلُّ على هذا لأنَّه نصَّ في كفَّارة اليمين إن أطعم الأغنياء أنَّه لا يجزئه، وإن كان قد اجتهد فالزَّكاة أَوْلَى.
          وأمَّا الصَّدقة على السَّارق والزَّانية فإنَّ العلماء متَّفقون أنَّهما إذا(16) كانا فقيرين فهما ممَّن تجوز له الزَّكاة.


[1] قوله: ((فخرج بصدقته)) زيادة من (م).
[2] قوله: ((على زانية)) ليس في (م).
[3] في (م): ((قال)).
[4] قوله: ((أن)) ليس في (م).
[5] في (م): ((قوله في الحديث: فأتي)).
[6] في (م): ((رأى)).
[7] في (م): ((الحتم والقطع)).
[8] في (م): ((العلماء)).
[9] في (م): ((يتبين)).
[10] في (م): ((غير)).
[11] قوله: ((يدًا)) زيادة من (م).
[12] في (م): ((وقال الثوري وأبو يوسف)).
[13] زاد في (م): ((أنه)).
[14] في (م): ((في صلاته)).
[15] في (ز): ((ابن القاسم هل تجزئه أم لا فقال)) والمثبت من (م).
[16] في (م): ((إن)).