شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب زكاة الإبل

          ░36▒ باب: زَكَاةِ الإبِلِ.
          ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلعم.
          فيه: أَبُو سَعِيدٍ: (أَنَّ أَعْرَابِيًَّا سَأَلَ النَّبيَّ صلعم عَنِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنَّ شَأْنَهَا شَدِيدٌ، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ تُؤَدِّي صَدَقَتَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبِحَارِ، فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا). [خ¦1452]
          قال المُهَلَّب: كان هذا القول منه ◙(1) قبل فتح مكَّة لأنَّه لو كان بعده(2) لقال له(3): ((لَا هِجرَةَ بَعدَ الفَتحِ))، ولكنَّه ◙ علم(4) أنَّ الأعراب قلَّما تصبر على المدينة لشدَّتها ولَأْوائِها ووبائها، ألا ترى قلَّة صبر الأعرابيِّ الَّذي استقاله بيعته حين مسَّته حُمَّى المدينة، فقال للَّذي سأله عن الهجرة: إذا أدَّيت الزَّكاة الَّتي هي أكبر شيء على الأعراب، ثمَّ منحت منها وحلبتها(5) يوم وردها(6) لمن ينتظرها من المساكين فقد أدَّيت المعروف من حقوقها فرضًا وفضلًا، فاعمل(7) من وراء البحار، فهو أقلُّ لفتنتك كما افتتن المستقيل البيعة، لأنَّه(8) قد شرط عليه(9) ما يخشى من منع العرب الزَّكاة التي افتتنوا بها(10) بعد النَّبيِّ ◙.
          وقد ذكر البخاريُّ هذا الحديث في كتاب الهبات في باب(11) المنحة، فقال(12) فيه: ((فَهَل تَمنَحُ مِنهَا؟)) فقال(13): نعم، قال: ((فَهَل تَحلِبُهَا يَومَ وِردِهَا؟)) فقال: نعم.
          وقال بعض العلماء: كانت الهجرة على غير أهل مكَّة من الرَّغائب ولم تكن فرضًا. والدَّليل على ذلك قوله ◙ للَّذي سأله عن الهجرة: (إِنَّ شَأْنَهَا لشَدِيدٌ(14)، فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟) ولم يوجب عليه الهجرة. قال أبو عبيد في كتاب «الأموال»: كانت الهجرة على أهل الحاضرة، ولم تكن على أهل البادية. وسيأتي شيءٌ من الكلام في الهجرة في باب لا هجرة بعد الفتح في كتاب الجهاد، إن شاء الله تعالى. [خ¦3080]
          قال(15) الخطَّابيُّ: قوله: (لَنْ يَتِرَك) يعني لن ينقصك، يُقال: وَتَرَه يَتِرُه تِرَةً، قال تعالى(16): {وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}[محمد:35]ومثله: {لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}[الحجرات:14]يعني لن ينقصكم. وفيه لغتان: أَلَتَ يَأْلَتُ أَلتًا، ولَاتَ يَلِيتُ لَيتًا(17)، عن اليزيديِّ.


[1] في (م): ((من النبي ◙ والله أعلم)).
[2] في (م): ((بعد)).
[3] قوله: ((له)) ليس في (م).
[4] في (م): ((ولكنه علم ◙)).
[5] قوله: ((وحلبتها)) ليس في (م).
[6] في (م): ((ردها)) وبعدها في (ز): ((من)) والمثبت من (م) وفي (ص) كالمثبت في المتن.
[7] قوله: ((فاعمل)) ليس في (ص).
[8] في (م): ((للبيعة ولأنه)).
[9] زاد في (ز): ((السلام))، وفي (ص): ((السلم)).
[10] في (م): ((بها افتتنوا)).
[11] في (ز) و(ص): ((باب الهبات في كتاب المنحة)) والمثبت من (م).
[12] في (م): ((وقال)).
[13] في (م): ((قال)).
[14] في (م): ((شديد)).
[15] في (م): ((وقال)).
[16] في (م): ((قال الله تعالى)).
[17] قوله: ((ليتا)) زيادة من (م)، وليس في (ص).