شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب[الإيثار والاستكثار من الصدقة سبب للحاق بالنبي]

          ░11م▒ باب:
          فيه: عَائِشَةُ: (أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبيِّ صلعم قُلْنَ(1) لِلنَّبِيِّ: أَيُّنَا أَسْرَعُ لُحُوقًا بِكَ؟ قَالَ: أَطْوَلُكُنَّ يَدًا، فَأَخَذُوا قَصَبَةً يَذْرَعُونَهَا، فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا، فَعَلِمْنَا بَعْدُ أَنَّمَا كَانَتْ طُولَ يَدِهَا الصَّدَقَةُ، وَكَانَتْ أَسْرَعُ(2) لُحُوقًا بِهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّ الصَّدَقَةَ). [خ¦1420]
          هذا الحديث سقط منه ذكر زينب لأنَّه لا خلاف بين أهل الأثر والسِّير أنَّ زينب أوَّل من ماتت(3) من أزواج النَّبيِّ ◙. وروى ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن الشَّعبيِّ عن عبد الرَّحمن بن أَبزى، قال: صلَّيت مع عُمَر / بن الخطَّاب على أمِّ المؤمنين زينبُ بنت جحشٍ، وكانت أوَّل نساء النَّبيِّ(4) صلعم توفِّيت بعدَه.
          وروَى ابن أبي خيثمة قالَ: حدَّثَنا معاوية بن عَمْرو قال: حدَّثنا المسعوديُّ قال: حدَّثنا القاسم بن مَعْن قال: كانت زينب بنت جحش أوَّل نساء رسول الله صلعم لحوقًا به.
          وروى مسلمُ في كتابه حديث عائشة على خلافِ ما ذكرهُ البخاريُّ، فقال: حدَّثنا محمود بن غَيْلان(5)، حدَّثنا الفَضل بن موسى الشَّيبانيُّ(6) قال: حدَّثنا طلحة بن يحيى بن طلحة، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أمِّ المؤمنين قَالَتْ: قَالَ رسُولُ الله صلعم: ((أَسَرَعُكُنَّ لَحَاقًا بي أَطوَلُكُنَّ يدًا))، قالَتْ(7): فكنَّ يتطاولنَّ أيَّتُهنَّ(8) أطول يدًا، فكانت أطولنا يدًا زينبُ لأنَّها كانت تعملُ بيدِها(9) وتتصدَّقُ.
          وذكرَ مسلم الحديث(10) الذي فيه إرسال أزواج النَّبيِّ لفاطمة إلى النَّبيِّ صلعم يسألنه العدلَ في بنتِ(11) أبي قحافةَ، قالت عائشة: فأرسل أزواج النَّبيِّ صلعم زينب، وهي الَّتي كانت تُسَاميني منهنَّ في المنزلةِ عندَ رسول الله صلعم ولم أرَ(12) قطُّ خيرًا في الدِّين من زينب وأتقى للهِ، وأصدق حديثًا، وأوصل للرَّحم، وأعظم صدقة، وأشدُّ ابتذالًا لنفسها في العمل الَّذي تتصدَّق به، وتتقرَّب(13) به إلى الله ╡.
          وقال المُهَلَّبُ: اليد في هذا الحديث: الإنعام والإفضال، وفيه: أنَّ الحكم للمعاني لا للألفاظ، بخلاف قول أهل الظَّاهر، ألا ترى أنَّ أزواج النَّبيِّ ◙ سبقَ إليهنَّ أنَّه أراد طول اليد الَّتي هي الجارحة، فلمَّا لم تتوفَّ سودة الَّتي كانت أطولهن يد الجارحة، وتوفِّيت زينب قبلهنَّ فعلمن(14) أنَّه أراد(15) ◙ لم يُرد طول العُضو، وإنَّما أرَادَ بذلك كثرة الصَّدقة لأنَّ زينب(16) هي الَّتي(17) تحبُ الصَّدقةَ.


[1] في (م): ((قالت)).
[2] في (م): ((أسرعنا)).
[3] في (م): ((مات)).
[4] في (م): ((رسول الله)).
[5] زاد في (م): ((قال)).
[6] في المطبوع: ((السيناني)).
[7] في (م): ((قال)).
[8] في (م): ((أيهن)).
[9] في (ز): ((في مدها)) والمثبت من (م) وبعدها في (م): ((وتصدق))، وفي (ص): ((تعمل مدَّها)).
[10] زاد في (م): ((الطويل)).
[11] في (م): ((ابنة)).
[12] زاد في (م): ((امرأة)).
[13] في (م): ((تصدق به وتقرب)).
[14] في (م): ((علم))، و في المطبوع: ((علمن)).
[15] قوله: ((أراد)) ليس في (م).
[16] في (م): ((الصدقة وزينب)).
[17] زاد في (م): ((كانت)).