الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب يرد المصلي من مر بين يديه

          ░100▒ (بَابُ): بالتنوين (يَرُدُّ المُصَلِّي): أي: ندباً (مَنْ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ): أي: سواء كان المار آدمياً أم غيره (وَرَدَّ ابْنُ عُمَرَ): أي: ابن الخطاب، مما وصله عبد الرزاق وابن أبي شيبة، و عندهما أن المار المذكور: عمرو بن دينار (فِي التَّشَهُّدِ): أي: في غير الكعبة لقوله: (وَفِي الكَعْبَةِ): أي: ورد ابن عمر المار بين يديه في داخل الكعبة، فالعطف على في غير الكعبة المقدر.
          وزاد الكرماني: ويحتمل أن يراد به: كون الرد في حالة واحدة وهي جمعه بين كونه في التشهد وفي الكعبة، فلا حاجة إلى مقدر.
          قال ابن قرقول: وقع في بعض الروايات:(وفي الركعة) بدل:(الكعبة)، وهو أشبه بالمعنى.
          قال في ((الفتح)): ورواية الجمهور متجهة، وتخصيص الكعبة بالذكر؛ لئلا يخيل أنه يغتفر فيها المرور لكونها محل المزاحمة.
          واعترضه العيني: بأن الواقع في نفس الأمر عن ابن عمر في الرد في غير الكعبة، وفي الكعبة أيضاً، فلا يقال: فيه المتخصيص، والتعليل فيه بكون الكعبة محل المزاحمة غير موجه؛ لأن في غير الكعبة أيضاً توجد المزاحمة، سيما في أيام الجمع في الجوامع، ونحو ذلك.
          وأقول: قد يدفع: بأن المزاحمة في الكعبة كل يوم لأجل الزائرين، وكون الواقع في نفس الأمر كلا الأمرين لا ينافي تخصيص أحدهما بالذكر لفظاً، فافهم.
          ووصل الأثر المذكور بذكر الكعبة فيه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب (الصلاة) له من طريق صالح بن كيسان قال: رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة فلا يدع أحداً يمر بين يديه يبادره، قال: أي: برده، وقال: فيه أيضاً من طريق عمرو بن دينار قال: مررت بابن عمر بعد ما جلس في آخر صلاته حتى أنظر ما يصنع فارتفع من مكانه فدفع في صدري، وفي رواية له: فانتهرني / بتسبيحة.
          وروى ابن أبي شيبة من طريق عمرو بن دينار قال: مررت بين يدي ابن عمر وهو في الصلاة فارتفع من قعوده ثم دفع في صدري، وفي حديث يزيد الفقير: صليت إلى جنب ابن عمر بمكة فلم أر رجلاً أكره أن يمر بين يديه منه
          (وَقَالَ): أي: ابن عمر أيضاً مما وصله عبد الرزاق عنه بلفظ: لا تدع أحد يمر بين يديك وأنت تصلي، فإن أبى إلا أن تقاتله فقاتله، ولفظه هنا من طريق الكشميهني (إِنْ أَبَى): أي: المار عدم المرور بكل وجه (إِلَّا أَنْ تُقَاتِلَهُ): بمثناة فوقية أوله للمخاطب (فَقَاتِلْهُ): بالفاء أوله الرابطة للجملة والأمر به بالشرط، ولأبي ذر وابن عساكر: بحذفها، لكنها مقدرة مع مبتدأ، والجملة: جواب (أن) الشرطية، ولك تقديرها فقط، وهو واقع في الاختيار بقلة كما قاله المبرد وغيره كقوله صلعم: (فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها)، فهو من المسموع.
          فلا يرد قول العيني معترضاً على الكرماني حذف الفاء في نحو:
من يفعل الحسنات الله يشكرها
          لضرورة الوزن، فإن غرضه التنظير لحذف الفاء، وإن كانت في البيت للضرورة، فافهم.
          ولغير الكشميهني في غير ((اليونينية)) بل عزاها في ((الفتح)) للأكثر:<إلا أن يقاتله>: بصيغة الغائب مضارعاً في الأول، وفاعله: ضمير المصلي كالماضي في الثاني، وضمير المفعول فيهما للمار بين يديه وهذا وارد على المبالغة؛ لأن المراد: دفعه دفعاً شديداً كدفع المقاتل.
          وفي (المنحة): (تُقاتله): بفوقية مضمومة (فقاتله): بصيغة الأمر، وفي نسخة: (قاتله): بلا فاء على قلة، وفي أخرى: بصيغة الماضي على الالتفات. انتهى.
          وظاهره: أنه لم يقع له رواية:(يقاتله): بالياء التحتية.