الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس

          ░86▒ (بَابُ المَسْجِدِ يَكُونُ فِي الطَّرِيقِ): أي: جواز بنائه في الطريق، لكن بشرط أن يكون مباحاً لا ضرر فيه.
          قال ابن الملقن: وأجاز مالك بناء المسجد بفناء الدار إذا كان لا يضر بالساكنين؛ لأنه نفعه كالاستطراق، وإليه ذهب البخاري كما في ترجمته.
          قال ابن شعبان في (الزاهي): وينبغي تجنب الصلاة في المساجد المبنية حيث لا يجوز بناؤها في الطرقات ونحوها؛ لأنها وضعت في غير حقها فمن صلى فيها متأولاً أنه يصلي في الطريق أجزأ، قال: ولو كان مسجد في متسع، وأراد الإمام الزيادة فيه ما لا يضر بالسالكين لم يمنع عند مالك، ومنعه ربيعة، وصححه ابن بطال؛ لأنه غير عائد إلى جميعهم، وقد ترتفق فيه الحائض والنفساء ومن لا تجب عليه من الأطفال ومن يسلكه من أهل الذمة.
          وقال المازري: بناء المسجد في ملكه جائز إجماعاً، وفي غير ملكه ممتنع كذلك _أي: إلا برضاه_ وفي المباحات حيث لا يضر جائز أيضاً لكن شذ / بعضهم فمنعه؛ لأن انتفاعات الطرق للعامة، فإذا بني بها مسجدا منع انتفاع بعضهم، فأراد البخاري الرد عليه بقصة أبي بكر بكون النبي اطلع على ذلك، وأقره، فوجه دلالتها على الترجمة ظاهرة لما ذكر.
          قال في ((الفتح)): والمنع مروي عن ربيعة، ونقله عبد الرزاق عن علي وابن عمر بسندين ضعيفين.
          وأقول: يمكن حمله على ما إذا كان يضر، وكذلك قال البخاري
          (مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ بِالنَّاسِ): ولأبي ذر: <للناس>، وفي بعض الأصول زيادة: <فيه> (وَبِهِ): أي: بالجواز (قَالَ الحَسَنُ): أي: البصري (وَأَيُّوبُ): أي: السختياني (وَمَالِكٌ): أحد المجتهدين.
          قال في ((الفتح)): يعني أن المذكورين ورد التصريح عنهم بهذه المسألة، وإلا فالجمهور على ذلك.