الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الصلاة بين السواري في غير جماعة

          ░96▒ (بَابُ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ): قيدها:(بغير جماعة): لأنه لا كراهة فيها بينها مع الانفراد اتفاقاً أما مع الجماعة فقد كرهها بينها قوم لورود النهي عن ذلك.
          وقال في ((الفتح)): إنما قيدها بغير الجماعة؛ لأن ذلك يقطع الصفوف، وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب.
          وقال الرافعي في (شرح المسند): احتج البخاري بحديث ابن عمر عن بلال على أنه لا بأس بالصلاة بين الساريتين إذا لم يكن في جماعة، وأشار إلى أن الأولى للمنفرد أن يصلي إلى السارية، ومع / هذه الأولوية فلا كراهة في الوقوف بينها، فأما في الجماعة، فالوقوف بين الساريتين كالصلاة إلى السارية. انتهى.
          وفيه نظر، لورود النهي الخاص عن الصلاة بين السواري، كما رواه الحاكم من حديث أنس بإسناد صحيح وهو في السنن الثلاثة، وحسنه الترمذي.
          قال المحب الطبري: كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك، ومحل الكراهة عند عدم الضيق، والحكمة فيه: إما لانقطاع الصف، أو لأنه موضع النعال.
          وقال القرطبي: روي في سبب كراهة ذلك: أنه مصلى الجن المؤمنين.
          وقال ابن بطال: وإنما يكره أن يكون الصف تقطعه أسطوانة إذا صلوا جماعة خشية أن يمر أحد بين يديه وإن كان الإمام سترة لمن خلفه، ويستحب أن تكون الأسطوانة خلف الصف أو أمامه ليستتر بها المصلي في الجماعة.
          واختلف السلف في الصلاة بين السواري، فكرهه أنس بن مالك وقال: كنا نتقيه على عهد رسول الله صلعم وفي لفظ: (كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها)، صححها الحاكم.
          وقال ابن مسعود: لا تصفوا بين الأساطين، وكرهه حذيفة وإبراهيم وقال: لا تصفوا بين الأساطين وأتموا الصفوف، وسلفهم أثر عمر في ذلك، وأجازه الحسين وابن وكان سعيد بن جبير وإبراهيم التيمي وسويد بن غفلة يؤمون قومهم بين الأساطين، وهو قول الكوفيين.
          وقال مالك في (المدونة): لا بأس بالصلاة بينها لضيق المسجد. وقال ابن حبيب: ليس النهي عن تقطع الصفوف إذا ضاق المسجد، وإنما نهي عنه إذا كان المسجد واسعاً.