الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب السجود على الثوب في شدة الحر

          ░23▒ (بَابُ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ): أي: طرفه كالكم والذيل (فِي شِدَّةِ الحَرِّ): خصه بالذكر مراعاة للفظ الحديث، وإلا فشدة البرد كذلك بل القائل بالجواز لا يقيده بالحاجة
          (وَقَالَ الحَسَنُ): أي: البصري، مما وصله ابن أبي شيبة وعبد الرزاق عن هشام بن حسان عن الحسن: أن أصحاب رسول الله صلعم كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته، وذكر محمد بن أسلم الطوسي بسنده إلى أبي هريرة: أن النبي صلعم سجد على كور عمامته، لكن إسناده ضعيفاً
          (كَانَ القَوْمُ): أي: الصحابة كما يأتي، منهم: عمر بن الخطاب كما يأتي أثره (يَسْجُدُونَ): بضم الجيم (عَلَى العِمَامَةِ): أي: على كَورها _بفتح الكاف_ وهي بكسر العين.
          قال في ((القاموس)): العِمامة _بالكسر_ المغفر والبيضة وما يلف على الرأس، والجمع: عمائم، وعمام، وقد اعتم وتعمم بمعنى
          (وَالقَلَنْسُوَةِ): بفتح القاف واللام وسكون النون وضم السين المهملة وفتح الواو الخفيفة وقد تبدل الواو ياء تحتية فتكسر السين، وقد تبدل الفاء فتفتح السين، وقد تحذف النون من هذه.
          وفيها لغة أخرى ذكرها ثعلب في (فصيحه) وهي: القُلَيْسِيَة _بضم القاف وفتح اللام وسكون الياء وكسر السين وفتح الياء آخرها_
          وقال في ((المحكم)): وعندي أنها ليست بلغة، وإنما هي مصغرة.
          وقال في ((الصحاح)): القلنسوة، والقلنسية إذا فتحت القاف ضممت السين، وإن ضممت القاف كسرت السين وقلبت الواو ياء، وإذا جمعت أو صغرت فإن شئت حذفت الواو، وقلت في الجمع: قلانس، وإن شئت حذفت النون وقلت: قلاسي، وإن شئت عوضت فقلت: قلانسي وقلاسي، وابن شئت جمعت قلنسوة على قلنس، وأصله: قلنسُوُ _بضم السين والواو_ فقلبت الضمة كسرة، وأعل كقاضي وتقول في التصغير: قلينسة وإن شئت: قليسة، وإن شئت عوضت فقلت: قلينيّسة _بتشديد الياء_ انتهى، وهي غشاء مبطن يستر به الرأس، قاله القزاز، من قلست الشيء:غطيته.
          وفي ((الفتح)): وقال أبو هلال العسكري: هي التي تغطى بها العمائم، وتستر من الشمس والمطر، كأنها عنده رأس البرنس.
          لكن قال العيني: وفي ((التلخيص)) لأبي هلال العسكري، البرنس: القلنسوة الواسعة التي تغطى بها العمائم تستر من الشمس والمطر، فتأمل النقلين.
          وجملة: (وَيَدَاهُ / فِي كُمِّهِ): حال من ضمير (القوم) باعتبار كل واحد، و(كمه): بإفراده، وفي نسخة: بتثنيته، وللكشميهني: <ويديه>: بالتحتية، بتقدير: ويجعل كل واحد يديه في كمه، وهذا لا خلاف فيه، كما يأتي.
          وقال الكرماني: فإن قلت: المقام يقتضي أن يقال: وأيديهم في أكمامهم، قلت: المراد: يد كل واحد منهم، ولعله غير الأسلوب عما قبله؛ لأن كل واحد من القوم ما كان يسجد على العمامة والقلنسوة كليهما، وقد كان يد الجميع في الكم.
          وقال في (المنحة): وما ذكر دليل لمن جوز السجود على ساتر من عمامة ونحوها، والشافعي منع ذلك لخبر ((الصحيحين)): (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)، وقياساً على عدم إجزاء المسح على الساتر، ولأن القصد من السجود التذلل، وتمامه بكشف الجبهة، لا يقال: كما يجوز السجود على بقية الأعضاء بساتر يجوز على الجبهة كذلك؛ لأنا نقول: جوازه في بقية الأعضاء ثابت بالإجماع، مع أن ذلك معارض بخبر: (ترب وجهك).
          قال العيني: مطابقة الأثر للترجمة غير ظاهرة إلا بالتعسف؛ لأن الترجمة في السجود على الثوب، وهو لا يطلق على العمامة ولا على القلنسوة؛ ولكن لما كان هذا الباب والأبواب الثلاثة قبله في السجود على غير وجه الأرض، كان على شيء هو على الأرض، وهو أعم من أن يكون حصيراً، أو خمرة، أو فراشاً، أو عمامة أو نحو ذلك، فبهذه الحيثية تدخل العمامة، والقلنسوة في الباب. انتهى، فتأمل.