الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا بدره البزاق فليأخذ بطرف ثوبه

          ░39▒ (بَابٌ: إِذَا بَدَرَهُ): أي غلب المصلي (البُزَاقُ فَلْيَأْخُذْ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ): أنكر الشمس السروجي _كالزجاجي_ على البخاري أن يقال:(بدره)، وقال: المعروف في اللغة: بدرت إليه وبادرته.
          وأقول: قد ورد أيضاً هذا الاستعمال في اللغة.
          قال في ((القاموس)): بادره مبادرة وبداراً وابتدره وبدر غيره وإليه: عاجله، وبدره الأمر: عجل إليه واستبق.
          وأجاب الشراح كالزركشي، والحافظ، والبرماوي: بأنه سائغ على سبيل المغالبة، فيقال: بادرت البصاق فبدرني؛ أي: سبقني و غلبني، وزاد الدماميني فقال: هذا معروف لا ينكر.
          وقال الهروي في (الغريب): يقال: بادره فبدره: إذا سابقه فسبقه، ومنه سميت ليلة البدر؛ لأن القمر يبدر مغيب الشمس بالطلوع؛ أي: يسبقها.
          و كأن المصلي بادر البصاق فبدره؛ أي: سبق البصاق بالغلبة، فالصواب مع البخاري، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، والمثبت مقدم على النافي
          وأما اعتراض العيني على قول ((فتح الباري)) وأجيب: بأنه يستعمل في المغالبة فيقال: بادرت كذا فبدرني؛ أي: سبقني بقوله: هذا كلام من لم يمس شيئاً من علم التصريف؛ فإن في المغالبة يقال: بادرني فبدرته، ولا يقال: بادرت كذا فبدرني، والفعل اللازم في باب المغالبة يجعل متعدياً بلا حرف صلة، يقال: كارمني فكرمته، وليس هنا باب مغالبة حتى يقال: بدره. انتهى، فغير متوجه عند من أنصف
          أما أولاً: (فالفتح) ناقل الجواب عن الغير، فعليه تصحيح النقل، وقد علمت صحته بلا ريب.
          وأما ثانياً: فلا ضابط لباب المغالبة كما في (شروح الشافية): وباب المغالبة يبنى على فعَلت _بفتح العين_ أفعُله _بضمها_ نحو: كارمني فكرمته أكرمه، واللفظ لشيخ الإسلام وهو: أن يذكر الفعل بعد الفاعلة مسنداً إلى الغالب فيه فانظر قوله: مسنداً إلى الغالب منه، تجده صادقاً قطعاً، على نحو قول ((الفتح)): بادرت كذا فبدرني.
          ولا يختص بقولك: بادرني فبدرته، وكأنه من توهمه من قول الشافعية نحو كارمني فكرمته أكرمه، وهلَّا زاد أبدُره _بضم الدال_ نظير أكرُمه _بضم الراء_ فقوله: ولا يقال: بادرت كذا فبدرني، ممنوع منعاً لا خفاء فيه لما نقلناه.
          وقوله: والفعل اللازم في باب..إلخ، إن أراد أن ((الفتح)) جعله متعدياً بحرف الصلة، فليس في عبارته التي نقلها عنه ذلك.
          وقوله: وليس ههنا باب المغالبة، يقال: بدره، قد علمت أنه منه، وتوجيهه _كما تقدم_ أن يقال: إن المصلي كأنه بادر البصاق فبدره البصاق.
          وبما تقرر يظهر لك أنه من كلام من غاص على دقائق علم التصريف.