الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب حك المخاط بالحصى من المسجد

          ░34▒ (بَابُ حَكِّ المُخَاطِ بِالحَصَى): وللأصيلي: <بالحصباء>: بموحدة بعد الصاد (مِنَ المَسْجِدِ): المغايرة بين الترجمتين ظاهرة فيه؛ ولكن لما كان المخاط كالنخامة لزجاً في الغالب فله جرم، فيحتاج في إزالته إلى معالجة، خصه بالترجمة بالحك بالحصى؛ أي: ونحوه، وأما البصاق فليس فيه ذلك، إلا إن خالطه بلغم فيلحق بالمخاط، فلذا ذكره بالترجمة الأولى
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ): مما وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح، وقال في آخره: وإن كان يابساً لم يضره (إِنْ وَطِئْتَ عَلَى قَذَرٍ): بفتحتين، وهو كالقذارة: ضد النظافة طاهراً أو نجساً، لكن في كلام العيني الآتي قريباً في مناقشة ((الفتح)) يقتضي حمله على النجس فقط (رَطْبٍ): أي: مبلول (فَاغْسِلْهُ): أي: ما وطئت به من نحو رجل وجوباً إن كان نجساً (وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَلَا): أي: فلا تغسله وجوباً.
          قال في ((الفتح)): ومطابقته للترجمة: الإشارة إلى أن العلة العظمى في النهي: احترام القبلة، لا مجرد التأذي بالبزاق ونحوه؛ فإنه وإن كان علة أيضاً، لكن احترام القبلة فيه آكد، فلهذا لم يفرق فيه بين رطب ويابس، بخلاف ما علة النهي فيه مجرد الاستقذار، فلا يضر وطء اليابس منه.
          ورده العيني: بأنه تعسف وبعد عظيم، وادعى أن العلة العظمى الأذية لله ولرسوله لا لمن يدخل المسجد، وأورد على كون علة النهي في القذر مجرد الاستقذار، / فلا يضر وطء اليابس أنه غير صحيح، بل إن العلة في نحو المخاط: النهي فيه كونه نجساً، ولم يسقط عنه وصف النجاسة. وأطال في ذلك بما هو إلى التعسف أقرب، وأجاب بما فيه بعد عظيم، فتأملهما منصفاً.
          وأقول: وقع في شرح الكرماني زيادة: (والقذر) في الترجمة بعد: (والمخاط) على ما في النسخ، وتبعه البرماوي.
          ثم قال البرماوي: وفي نسخة: (باب حك المخاط بالحصى من المسجد)، وعلى هذا، فمناسبة أثر ابن عباس للترجمة ظاهر، فاعرفه.