الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب نوم الرجال في المسجد

          ░58▒ (بَابُ نَوْمِ الرِّجَالِ فِي المَسْجِدِ): وفي بعض الأصول: (الرجل): بالإفراد، وهو للجنس فيساوي الجمع، ومراده: جواز ذلك كما يدل عليه قوله: (وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ): بكسر القاف وتخفيف اللام وبموحدة، واسمه: عبد الله بن زيد، مما وصله المؤلف في قصة العرنيين كما تقدم، وفي المحاربين كما سيأتي
          (عَنْ أَنَسٍ): أي: <ابن مالك> كما للأصيلي (قَدِمَ رَهْطٌ): هم ما دون العشرة من الرجال (مِنْ عُكْلٍ): بضم العين وسكون الكاف: قبيلة من العرب معروفة (عَلَى النَّبِيِّ صلعم فَكَانُوا): أي: الرهط (فِي الصُّفَّةِ): بضم الصاد المهملة وتشديد الفاء، وهي موضع في أخريات المسجد المدني، سقائف مظللة، تأوي إليه الفقراء والمساكين فنسبوا إليها، فيقال لهم: أصحاب الصفة، وقيل: سموا بأصحاب الصفة؛ لأنهم كانوا يصفون على باب المسجد
          (وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ): وللأصيلي زيادة: <الصديق>، شهد عبد الرحمن بدراً مع المشركين ثم أسلم وهاجر قبيل الفتح، وكان أشجع قريش وأرماهم، روي له عن رسول الله صلعم ثمانية أحاديث منها للبخاري ثلاثة، مات قريب مكة في سنة ثلاثة وخمسين، وقيل بعدها، وحمل على رقاب الرجال إليها، وكان شقيق عائشة ♦ ولما اتصل موته بها ظعنت من المدينة حاجة حتى وقفت على قبره فبكت وتمثلت بقول الشاعر:
وكنا كندماني في جَذيمة حقبة                     من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكاً                     لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
          وقالت: أما والله لو حضرتك لدفننتك حيث مت، ولو حضرتك ما بكيتك. وليس هو المدفون بمرج الدحداح _مقبرة من مقابر دمشق الشام_ بل ذاك من نسله على ما قيل ♥ المولى الجليل
          (كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الفُقَرَاءَ): بالتعريف لغير الأربعة، ولهم: <فقراء>: بالتنكير، وعليه فهو خبر (كان) لا غير بخلافه على التعريف، فهو إما اسم (كان) مؤخراً و(أصحاب): خبرها مقدم أو بالعكس وهو أولى، وهذا التعليق وصله / المؤلف في علامات النبوة مطولاً.
          واستدل به لجواز النوم في المسجد لقوله: (أصحاب الصفة) المشعر بنومهم فيه سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار كما رواه عنهما ابن أبي شيبة.