الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره

          ░88▒ (بَابُ تَشْبِيكِ الأَصَابِعِ): جمع إصبع وفيها عشر لغات تثليث الهمزة والباء، والعاشرة: أصبوع بضمهما مع الواو؛ أي: جواز ذلك (فِي المَسْجِدِ وَغَيْرِهِ): قال ابن المنير: وجه إدخال هذه الترجمة في الفقه: معارضة المراسيل التي وردت في النهي عن التشبيك في المسجد، والتحقيق: أنها لا تعارضها، إذ المنهي عنه فعله على وجه الولع، والذي في الحديث، إنما هو لقصد التمثيل وتصوير المعقول بصورة المحسوس، ونحو ذلك من المقاصد الصحيحة _أي: كإراحة الأصابع_
          وقال في ((الفتح)): حديث أبي موسى دال على جواز التشبيك مطلقاً، وحديث أبي هريرة دال على جوازه في المسجد، ففي غيره أجوز.
          وقال الكرماني: فإن قلت: الحديث لم يدل إلا على مطلق التشبيك إذ لا ذكر للمسجد فيه؟ وأجاب: بأن الترجمة في بعض النسخ:(في المسجد وغيره)، وهي ظاهرة وأما على باقي النسخ؛ أي: التي سقط فيها (وغيره)، فإما أن الراوي اختصر الحديث، أو اكتفى البخاري بدلالته على بعض الترجمة، حيث دل الحديث الذي بعده على تمامها. انتهى.
          وأقول: ومثله في كلام صاحب (التراجم) على نقله الكرماني. ووقع في بعض الروايات قبلها حديث آخر أول سنده:(حدثنا حامد بن عمر) لم يخرجه أبو نعيم ولا الإسماعيلي بل ذكره أبو مسعود في (الأطراف) عن رواية ابن رميح عن الفربري وحماد بن شاكر عن البخاري، وقد وجد في بعض النسخ على الحاشية ووجد بخط البرزالي.
          وقال ابن الملقن: هذا الحديث يعني: حديث ابن عمر الذي أول سنده:(حدثنا حامد بن عمر) ليس موجوداً في أكثر نسخ ((الصحيح)) ولا استخرجه الحافظ الإسماعيلي وأبو نعيم، ولا ذكره ابن بطال، وفي بعض النسخ ملحقاً على الحاشية.
          وقال القسطلاني: وهذا حديث ساقط في أكثر الروايات، ولم يذكره الإسماعيلي، ولا أبو نعيم في ((مستخرجه)) وإنما وجد بخط البرزالي، وذكره أبو مسعود في ((الأطراف)): أنه رآه في كتاب ابن رميح عن الفربري، وحماد بن شاكر عن البخاري، وفي ((اليونينية)): سقوطه عن الأصيلي فقط. انتهى.
          وظاهر كلام البخاري أنه لا كراهة في التشبيك مطلقاً، وسيأتي قريباً ما للأئمة فيه من الاختلاف.