الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الاستعانة بالنجار والصناع في أعواد المنبر والمسجد

          ░64▒ (بَابُ الاِسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ): بفتح النون وتشديد الجيم، صانع النجارة، فعطف: (وَالصُّنَّاعِ): بضم الصاد وتشديد النون، جمع صانع، من عطف العام على الخاص (فِي أَعْوَادِ المِنْبَرِ وَالمَسْجِدِ): متعلق بالاستعانة، فهو متعلق معنى (بالنجار والصناع)، و(المسجد): عطف على (المنبر)، أو على (أعواد)، قاله الكرماني وتبعه البرماوي.
          وأقول: عطفه على (المنبر) لا يخلو من توقف لمن تأمله.
          وقال في ((الفتح)) أو في الترجمة: لف ونشر فـ(في أعواد المنبر) يتعلق (بالنجار)، وقوله: (والمسجد): يتعلق بالصناع؛ أي: والاستعانة في بناء المسجد.
          واعترضه العيني: بأن شرط اللف والنشر أن يكون من متعدد، والنجار داخل في (الصناع).
          وأقول: جعل في ((الفتح)) هذا الوجه مقابلاً لعطف العام على الخاص فلا يكون عليه النجار داخلاً في (الصناع)، على أنه وإن كان داخلاً فيه فالتعدد موجود. فافهم.
          واستشكل: بأن حديثي الباب لا يدلان على الشق الثاني من الترجمة، وهو ذكر (الصناع) و(المسجد).
          وأجاب الكرماني: بأنه إما اكتفى بالنجار والمنبر؛ لأن الباقي يعلم منه، وإما أنه أراد أن يلحق إليه ما يتعلق بذلك ولم يتفق له أو لم يثبت عنده بشرطه حديث يدل عليه.
          وقال في ((الفتح)): وكأنه أشار بذلك إلى حديث طلق بن علي قال: بنيت المسجد مع رسول الله صلعم فكان يقول: (قربوا اليمامي من الطين فإنه أحسنكم له مساً وأشدكم له سكباً)، رواه أحمد وفي لفظ له: فأخذت المسحاة فخلطت الطين فكأنه أعجبه فقال: (دعوا الحنفي والطين فإنه أضبطكم للطين).
          ورواه ابن حبان في ((صحيحه)) بلفظ: (فقلت: يا رسول الله أنا أنقل كما ينقلون، فقال: (لا؛ ولكن اخلط لهم الطين فأنت أعلم به).