نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: واعجباه لوبر تدلى من قدوم الضأن

          4237- (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) قال: (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هو: ابنُ عيينة، قال: (سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، وَسَأَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ) بضم الهمزة وتخفيف الميم وتشديد التحتية، ابنُ عَمرو بن سعيد بن العاص الأموي، والجملة حاليَّة (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَنْبَسَةُ) قائل ذلك هو الزُّهري، وعَنْبَسَة: بفتح المهملة وسكون النون وفتح الموحدة والسين المهملة (ابْنُ سَعِيدٍ) أي: ابن العاص، وهو عمُّ والد إسماعيل بن أمية (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ أَتَى / النَّبِيَّ صلعم فَسَأَلَهُ) هذا السِّياق صورته مرسلٌ، وقد تقدَّم من وجه آخر مصرَّحًا فيه بالاتصال في أوائل الجهاد [خ¦2827]، وقوله: (فسألَه)؛ أي: سأل النَّبيَّ صلعم أن يُعطيه من غنائم خيبر، وفي رواية الحُميدي عن سفيان في الجهاد: ((فقلت: يا رسول الله! أسهم لي)) [خ¦2827].
          (قَالَ لَهُ) ويُروى: <فقال له> (بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ) هو أبان بن سعيد، كما في الرِّواية الَّتي بعده [خ¦4238] (لَا تُعْطِهِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ) هو: النُّعمان بن قَوْقَل _بفتح القافين وسكون الواو وباللام_، ويُقال: النُّعمان بن ثعلبة، يُدعى: قوقل، الصَّحابي الأنصاري شهد بدرًا وقُتِل يوم أُحد شهيدًا، قتلَه أبان بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي. وقال الزُّبير: تأخر إسلامه بعد إسلام أخويه خالد وعَمرو، ثمَّ أسلم أبان وحَسُن إسلامه، وهو الَّذي أجار عثمان بن عفَّان حين بعثَه رسول الله صلعم إلى قريش عام الحديبية. وحمله على فرسٍ حتَّى دخل مكة، واستعملَه رسول الله صلعم على البحرين برها وبحرها إذ عزل العلاء الحضرمي عنها، فلم يزلْ عليها إلى أن ماتَ رسول الله صلعم ، وقُتل أبان يوم أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافةِ أبي بكر ☺.
          (فَقَالَ) أي: بعض بني سعيد، وهو أبان (وَاعَجَبًا) ويُروى: <وَاعَجَبَاه>، وفي رواية السعيدي الَّتي بعد هذه: ((واعجبًا لك)) وهو بالتنوين اسم فعل بمعنى أعجبُ، وبغير التنوين بمعنى: واعجبي فأبدلت الكسرة فتحة، كما في قوله: واأسفًا، وفيه شاهد على استعمال (وا) في منادى غير مندوبٍ كما هو رأي المبرد، واختيارُ ابن مالك فإن كلمة (وا) تستعملُ على وجهين:
          أحدهما: أن تكون حرف نداء مختصًا بباب النُّدبة نحو: وا زيداه.
          والثاني: أن تكون اسمًا لا عجب، وقد يُقال: وا ها فعلى هذا يكون قوله: عجبًا للتَّأكيد.
          (لِوَبْرٍ) بفتح الواو وسكون الموحدة وآخره راء، هو دُوَيبة تُشبه السِّنور، وقيل: أصغر من السِّنور لا ذنب لها تدخر في البيوت. قال الخطَّابي: وأحسب أنَّها تؤكلُ / لوجوب الفدية فيها عن بعض السَّلف / (تَدَلَّى) أي: نزل (مِنْ قَدُومِ الضَّانِ) بفتح القاف وتخفيف الدال المهملة، والضَّان _بالنون غير مهموز_: اسم جبلٍ لدوس قوم أبي هريرة. والقَدوم _بفتح القاف_: الطَّرف. وقيل: الضَّأن الغنم، والقدوم مقدِّم شعره، كذا هو في رواية الأكثرين بالفتح. وفي رواية الأصيلي: بضم القاف، وقد مرَّ توجيهات أخر في كتاب الجهاد، في باب الكافر يقتل المسلم [خ¦2827]، وكأنَّه حقر أبا هريرة ☺، ونسبه إلى قلة القدرة على القتال.
          4238- (وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ) بضم الزاي وفتح الموحدة وبالدال المهملة، هو محمدُ بن الوليد (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمد بن مسلم بن شهابٍ، أنَّه قال: (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ☺ يُخْبِرُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِي) أي: ابن أميَّة، وكان سعيد بن العاص يتأمر على المدينة من قبل معاوية ☺ في ذلك الزَّمان.
          (قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم أَبَانَ) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة، هو: ابنُ سعيد بن العاص بن أمية، وهو عمُّ سعيد بن العاص الَّذي حدَّثه أبو هريرة ☺، وقد تقدَّم أنَّه كان إسلام أبان بعد غزوة الحديبية، وأنَّ أبان هذا هو الَّذي أجار عثمان بن عفَّان ☺ في الحديبية حتَّى دخلَ مكة وبلَّغ رسالة رسولِ الله صلعم .
          وقد تقدَّم في قصَّة الحُديبية في الشروط وغيره أنَّ غزوة خيبر كانت عقب الرُّجوع من الحديبية [خ¦2731]، فيُشعر ذلك بأنَّ أبان أسلمَ عقب الحُديبية حتَّى أمكن أن يبعثَه النَّبي صلعم في سريَّة، وقد ذكر الهيثم بن عدي في الأخبار سبب إسلام أبان، فروى من طريق سعيد بن العاص قال: ((قُتِل أبي يوم بدرٍ فربَّاني عمِّي أبان، وكان شديدًا على النَّبي صلعم يسبُّه إذا ذُكر، فخرج إلى الشَّام فرجع فلم يسبَّه، فسُئل عن ذلك فذكر أنَّه لقي راهبًا فأخبره بصفتهِ ونعتهِ، فوقع في قلبهِ تصديقُهُ، فلم يلبثَ أن خرج إلى المدينة فأسلمَ)) فإن كان هذا ثابتًا احتمل أن يكون خروج أبان إلى الشَّام كان قبل الحديبية.
          (عَلَى سَرِيَّةٍ قِبَلَ نَجْدٍ) بكسر القاف؛ أي: جهة نجدٍ. قال الحافظُ العسقلاني: لم أعرف / حال هذه السرية (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ☺: فَقَدِمَ أَبَانُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ صلعم بِخَيْبَرَ) أي: حال كون النَّبي صلعم في خيبر (بَعْدَ مَا افْتَتَحَهَا وَإِنَّ حُزُمَ خَيْلِهِمْ) الحُزُم بضم الحاء المهملة والزاي، جمع حِزَام (لَلِيفٌ) بلام التَّأكيد خبر (إن)، وفي رواية الكُشميهني: <اللَّيف> بدون لام التأكيد (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ☺: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ) وفي رواية سقط قوله: <قال أبو هريرة> (لَا تَقْسِمْ لَهُمْ) ويُروى: <لا تُسهم لهم> من الإسهام، يعني: لا تُعط لهم سهمًا من الغنيمة (قَالَ أَبَانُ) فإن قيل: في الحديث الماضي [خ¦4237] القائل بهذا هو أبانُ بن سعيد، وهنا القائل هو أبو هريرة ☺ فما التَّوفيق بينهما؟ فالجواب: أنَّه لا منافاة بينهما؛ لأنَّ أبا هريرة ☺ احتجَّ على أبان بأنَّه قاتل ابن قَوْقل، وأبان احتجَّ على أبي هريرة بأنَّه ليس ممَّن له في الحرب يدٌ يستحقُّ به النَّفل يدلُّ عليه قوله:
          (وَأَنْتَ بِهَذَا) أي: أنت ملتبسٌ بهذا القول، أو تقول بهذا، أو أنت بهذا المكان والمنزلة مع رسولِ الله صلعم مع كونك لست من أهلهِ، ولا من قومه، ولا من بلاده (يَا وَبْرُ) قد تقدَّم ضبطُه ومعناه [خ¦4237]. وقال الحافظُ العسقلاني: دابَّة صغيرة كالسِّنور. قال الخطَّابي: أراد أبان تحقيرَ أبي هريرة ☺، وأنَّه ليس في قدر من يُشيرُ بعطاءٍ ولا منعٍ، وأنَّه قليل القدرة على القتال، انتهى.
          ونقل ابنُ التِّين عن أبي الحسن القابسي أنَّه قال: معناه أنَّه مُلصقٌ في قريش؛ لأنَّه شبَّهه بالَّذي يعلق بوَبْر الشَّاة من الشَّوك وغيره. وتعقَّبه ابن التِّين بأنَّه يلزم من ذلك أن تكون الرِّواية: وَبَر _بالتحريك_، قال: ولم يُضبط إلَّا بالسكون.
          (تَحَدَّرَ) فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة؛ لأن تحدَّر فعلٌ ماض؛ أي: نزل. وفي الرِّواية السَّابقة: ((تدلى)) وهو بمعناه. وفي الرِّواية الَّتي تأتي بعدها: ((تدأدأ)) بدالين مهملتين بينهما همزة ساكنة. قيل: أصله تَدَهْدَ (1)، فأبدلت الهاء همزة. قال ابنُ الأثير: معناه: أقبلَ علينا مسرعًا، وهو من دَأْدأ البعير وتدأدأ، إذا اشتدَّ عدوه. ومعنى تدهده: تدحرجَ وسقطَ علينا. وقيل: الدَّأدأة صوتُ الحجارة / في السيل. وفي رواية المستملي: <تدأرأ> براء بدل الدال الثانية، بمعنى سقط وهجمَ علينا، وفي رواية أبي زيد المروزي: <تردى> من التَّردي، وهو السُّقوط من مكانٍ عالٍ كأنَّه يقول: هجمَ علينا بغتةً.
          (مِنْ رَأْسِ ضَالٍّ) كذا في هذه الرِّواية باللام، وفي الَّتي قبلها بالنون [خ¦4237]. وقد فسَّر البخاري في رواية المستملي: <الضَّال> باللام، فقال: هو السِّدرة [البري]. وكذا قال أهل اللُّغة: إنَّه السِّدر البري، وقيل: الضَّان بالنون هو رأس الجبل؛ لأنَّه في الغالب موضع مرعى الغنم.
          (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : يَا أَبَانُ اجْلِسْ. فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ) وهذا وجه آخر في الحديث المذكور ذكره بصيغة التَّمريض، وقد وصله أبو داود من طريق إسماعيل بن عبَّاس عن الزُّبيدي.


[1] كذا في العمدة، وفي الفتح (تدهدأ)