نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: آذن من حولك

          4211- (حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ) الحَرَّاني _بفتح المهملة وتشديد الراء وبالنون_ سكن مصر، وهو من أفراده، وقد أخرج عنه هنا وفي البيوع [خ¦2235] خاصة هذا الحديث الواحد قال: (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ) هو: ابنُ عبد الرَّحمن الإسكندراني (ح) تحويل من سند إلى آخر (وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ) في رواية كريمة: <أحمد بن عيسى>؛ أي: التستري، وفي رواية أبي عليِّ بن شَبُّويه عن الفَرَبري: <أحمد بن صالح المصري>، وبه جزمَ أبو نُعيم في «المستخرج»، قال: (حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ) قال الحافظُ العسقلاني: والَّذي يظهر أنَّ البخاري ساقه على لفظ رواية ابن وهب، وأمَّا لفظ رواية عبد الغفَّار فساقَه في البيوع قُبيل السَّلم على لفظه [خ¦2235].
          (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَمْرٍو) بفتح العين، وفي رواية عبد الغفار: ((عمرو بن أبي عمرو)) واسم أبي عمرو: ميسرة (مَوْلَى الْمُطَّلِبِ) بتشديد الطاء وكسر اللام، هو ابنُ عبد الله بن حنطب المخزومي (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ / ☺) أنَّه (قَالَ: قَدِمْنَا خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ) اسمه: القَمُوص (ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ) بضم الحاء المهملة وفتح المثناة التحتية الأولى وتشديد الثانية (ابْنِ أَخْطَبَ) بالخاء المعجمة والطاء المهملة (وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا) اسمه: كنانة بن الربيع بن أبي الحُقيق _بضم الحاء_، وكان سبب قتلهِ ما أخرجه البيهقيُّ بإسناد رجاله ثقاتٌ من حديث ابن عمر ☻ أنَّ النَّبي صلعم لمَّا ترك مَن ترك [من] أهل خيبر على أن لا يكتموه شيئًا من أمولهم، فإن فعلوا فلا ذمَّة لهم ولا عهد، قال: فغيبوا مِسكًا فيه مالٌ وحُليٌّ ليحيىّ بن أخطب كان احتملَه معه إلى خيبر، فسألهم عنه فقالوا: أذهبته النَّفقات فقال: العهدُ قريبٌ، والمال أكثر من ذلك، قال: فوُجِد بعد ذلك في خَرِبة، فقتل رسول صلعم ابني أبي الحُقيق، وأحدهما زوج صفيَّة.
          (وَكَانَتْ عَرُوسًا، فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ صلعم لِنَفْسِهِ) روى أبو داود عن عائشة ♦ قالت: ((كانت صفيَّة من الصَّفِيّ)) والصَّفِيُّ: بفتح المهملة وكسر الفاء وتشديد المثناة التحتية، فسَّره محمد بن سيرين فيما أخرجه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ عنه، قال: كان يُضربُ للنَّبي صلعم بسهم مع المسلمين، والصَّفِيّ يُؤخذ له رأس من الخُمُس قبل كلِّ شيءٍ.
          ومن طريق الشَّعبي قال: كان للنَّبي صلعم سهم يُدعى الصَّفِي إن شاء عبدًا، وإن شاء أمةً، وإن شاء فرسًا يختاره من الخُمُس.
          ومن طريق قتادة: كان النَّبي صلعم إذا غزا كان له سهم صاف يأخذُه من حيث شاء، وكانت صفيَّة من ذلك السهَّم، وقيل: إنَّ صفيَّة كان اسمها قبل أن تُسبى زينب، فلمَّا صارت من الصَّفِي سُمِّيت صفية.
          (فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى إِذَا بَلَغْنَا) ويُروى: <حتَّى بلغنا> ويُروى أيضًا: <حتَّى بلغ بها> (سَدَّ الصَّهْبَاءِ) أما (سَدٌّ) _فبفتح المهملة وبضمها_، وأمَّا (الصَّهباء) فموضعٌ بأسفل خيبر، وقد تقدَّم بيانها في كتاب الطَّهارة [خ¦209]، ووقع في رواية عبد الغفَّار هنا: ((سدَّ الرَّوحاء)) والأوَّل أصوبُ، وهي رواية قتيبة، كما تقدَّم في الجهاد [خ¦2893].
          ورواية سعيد بن منصور / عن يعقوب في هذا الحديث، وأخرجَها أبو داود وغيره، والرَّوحاء: بالراء وبالمهملة، مكان قريبٌ من المدينة بينهما نيِّف وثلاثون ميلًا من جهة مكَّة.
          وقد تقدَّم ذلك في حديث ابن عمر ☻ في أواخر المساجد [خ¦483]، وقيل: بقربِ المدينة مكان آخر، يُقال له: الرَّوحاء وعلى التَّقديرين فليست قُرب خيبر، فالصَّواب ما اتَّفق عليه الجماعة أنَّها الصَّهباء، وهي على بريد من خيبر، قاله ابنُ سعد وغيره.
          وقال الكرمانيُّ: لعلَّ ذلك الموضع يُسمَّى بهما، أو هما موضعان مختلفان ولتقاربهما يُطلق اسم كلٍّ على الآخر، وقال بعضُهم: الصَّواب سدَّ الرَّوحاء، انتهى.
          (حَلَّتْ) أي: صارت حلالًا لرسول الله صلعم بأن طَهُرت من الحيض. وعندِ ابن سعد من طريق حماد بن سلمة عن ثابتٍ عن أنسٍ ☺. وأصلُه عند مسلم في قصَّة صفيَّة، قال أنس ☺: ودفعها إلى أمِّ سُليم حتَّى تُهيئها وتُصَنِّعَهَا وتعتدَّ عندها، وإطلاق العدَّة عليها مجازٌ عن الاستبراء.
          (فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلعم ) أي: فدخلَ عليها (ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا) بفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية وبالسين المهملة، هو تمرٌ يُخلطُ بسمنٍ وأَقِط (فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ لِي: آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ. فَكَانَتْ تِلْكَ الْوَلِيمَة) ويُروى: <فكانت تلك وَلِيمَتَه> (عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم يُحَوِّي لَهَا؟؟) بضم الياء وفتح الحاء المهملة وتشديد الواو؛ أي: يُهيء ويجعل لها حَوِيَّة، وهي كساءٌ محشوٌ يُدارُ حول الراكب.
          (وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ) وقال الكرمانيُّ: أي يُهيء [لها] من ورائه بالعباءةِ مركبًا وطيئًا ويُسمَّى ذلك حَوِيَّة، وهي لغة كساءٌ يُحوَّى حول سنام البعير (ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ) وزاد عن قتيبةَ عن يعقوب في الجهاد [خ¦2893] في آخرِ هذا الحديث ذكر أُحُد، وذكر الدعاء للمدينة. ووقع في «مغازي» أبي الأسود عن عروة: فوضعَ رسول الله صلعم / لها فخذه لتركب، فأجلَّتْ رسولَ الله صلعم أن تضعَ رجلَها على فخذِهِ، فوضعتْ ركبتها على فخذِهِ وركبتْ.
          ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرةٌ.