نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: صلى النبي الصبح قريبًا من خيبر بغلس

          4200- (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ) الواشحي، قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ ☺) أنَّه (قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صلعم الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ(1) . فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ، فَقَتَلَ النَّبِيُّ صلعم الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ) فيه اختصار كبير؛ لأنَّه يُوهم أن ذلك وقع عقب الإغارة عليهم وليس كذلك، فقد ذكر ابنُ إسحاق أنَّه صلعم أقام على محاصرتهم بضع / عشرة ليلة، وقيل: أكثر من ذلك.
          ويؤيِّد ذلك قوله في الحديث الَّذي قبله: «إنهم أصابتهم مخمصةٌ شديدةٌ»، فإنَّه دالٌّ على طولِ مدَّة الحصار إذ لو وقع الفتح من يومهم لم يقع لهم ذلك.
          وفي حديث سلمة بن الأكوع [خ¦4209] وسهل بن سعد [خ¦4210] الآتيين قريبًا في قصَّة علي ☺ ما يؤيِّد ذلك، وكذا في حديث عبد الله بن أبي أوفى أنَّهم حاصروهم [خ¦4220].
          (وَكَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ) هي بنتُ حُييِّ بن أخطب بن سَعْية _بفتح المهملة وسكون العين المهملة بعدها تحتانية_، هو ابنُ عامر بن عبيد بن كعب من ذريَّة هارون ◙ ابن عمران أخي موسى ◙، وأمها بَرَّة بنت شَمْوال من بني قُريظة، وكانت تحت سلاَّم بن مِشْكم القُرظي، ثمَّ فارقها فتزوَّجها كنانة بن الرَّبيع بن أبي الحُقيق النَّضيري فقُتل عنها يوم خيبر، ذكر ذلك ابن سعد، وأسند بعضَه من وجه مرسل.
          (فَصَارَتْ إِلَى دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ صلعم ، فَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، آنْتَ قُلْتَ لأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا؟ فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ).
          4201- (حَدَّثَنَا آدَمُ) أي: ابن أبي إياس، قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ) أنَّه قال: (سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ☺ يَقُولُ: سَبَى النَّبِيُّ صلعم صَفِيَّةَ، فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا) ظاهره أنَّ العتق تقدَّم النِّكاح، وليس كذلك لأن أنَّ الواو لا تدلُّ على الترتيب، على أنَّ في الحديث الآخر: «وجعل عتقَها صَداقها»، ومنهم من جعل ذلك من خصائصهِ صلعم ، ومنهم من أجازه (فَقَالَ ثَابِتٌ لأَنَسٍ: مَا أَصْدَقَهَا؟) كلمة (ما) استفهامية (قَالَ: أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا، فَأَعْتَقَهَا) وفي رواية عبد العزيز عن أنس ☺ [خ¦371]: ((فجاء دِحية فقال: أعطني يا رسولَ الله جارية من السَّبي، فقال: اذهبْ فخذْ جارية، فأخذَ صفية فجاء رجلٌ فقال: يا نبيَّ الله! أعطيتَ دِحية صفيَّة سيِّدة قُريظة والنَّضير، لا تصلح إلَّا لك، قال: ادعوه بها فجاء بها، فلمَّا نظر إليها النَّبي صلعم قال: خذْ جاريةً من السَّبي غيرها)).
          وعند ابنِ إسحاق: أنَّ صفيَّة سُبيت من حصنِ القَمُوص، وهو حصنُ بني أبي الحُقيق، / وكانت تحت كنانة بن الرَّبيع بن أبي الحُقيق، وسبي معها بنتُ عمٍّ لها، وعند غيره بنت عمِّ زوجها، فلمَّا استرجع النَّبي صلعم صفيَّة من دِحية أعطاه بنت عمِّها.
          قال السُّهيلي: لا مُعارضة بين هذه الأخبار، فإنه أخذها من دِحية قبل القسم، والَّذي عوضه عنها ليس على سبيل البيع بل على سبيل النَّفل.
          وقد وقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ☺ عند مسلم: ((أنَّ صفية وقعت في سهم دِحية)) وعنده أيضًا فيه: ((فاشتراها من دِحية بسبعة أرؤس)) فالأولى في طريق الجمع أنَّ المراد بسهمه هنا نصيبه الَّذي اختار لنفسهِ، وذلك أنَّه سأل النَّبي صلعم أن يُعطيه جارية، فأذن له أن يأخذَ جارية فأخذ صفيَّة، فلمَّا قيل للنَّبي صلعم : إنَّها بنت ملك من ملوكهم ظهرَ له أنَّها ليست ممَّن تُوهب لدِحية لكثرة من كان في الصَّحابة مثل دِحية وفوقه، وقلَّة من كان في السَّبي مثل صفيَّة في نفاستها.
          فلو خصَّه بها لأمكنَ تغيُّر خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العامَّة ارتجاعها منه، واختصاص النَّبي صلعم بها، فإن في ذلك رضى الجميع، وليس ذلك من الرُّجوع في الهبة في شيءٍ.
          وأمَّا إطلاق الشَّراء على العوضِ فعلى سبيل المجاز، ولعلَّه عوَّضه عنها بنت عم لها أو بنت عمِّ زوجها فلم تطبْ نفسه فأعطاهُ من جملة السَّبي زيادة على ذلك، وعند ابنِ سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس ☺، وأصله في مسلم: «صارتْ صفية لدِحية فجعلوا يمدحونها، فبعثَ رسول الله صلعم فأعطى بها دِحية ما رضي»، والله تعالى أعلم.
          ومطابقة الحديث للترجمة تُؤخذ من قوله: «سبى النَّبي صلعم صفيَّة»، فإن سبيها كان في غزوة خيبر، والحديث من أفراده.


[1] في هامش الأصل: أي: فساء صباح المنذَرين صباحهم، واللام للجنس، والصباح: مستعار من صباح الجيش المبيت لوقت نزول العذاب ولما كثرت فيه الهجوم والغارة في الصباح سمو الغارة صباحًا وإن وقعت في وقت آخر. (قاضي).