نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: نهى رسول الله يوم خيبر عن لحوم الحمر

          4219- (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) الواشحي، قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو) بفتح العين، هو: ابنُ دينار (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ) أي: ابن الحُسين بن علي بن أبي طالب ♥ ، هو أبو جعفر الباقر (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الأنصاري ☻ ، أنَّه (قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ) ويُروى: <نهى النَّبيّ> ( صلعم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّة) كذا في رواية الكُشميهني، وليس في رواية غيره إلَّا لفظ (الحُمُر) فقط.
          (وَرَخَّصَ / فِي الْخَيْلِ) واحتجَّ بهذا الحديث من جَوّز أكلِ لحم الخيل، وهو قولُ أبي يوسف ومحمد والشَّافعي وأحمد وأبي ثور، واللَّيث، وابن المبارك، وإليه ذهبَ ابنُ سيرين والحسن وعطاء والأسود بن يزيد وسعيد بن جُبير. وقال أبو حنيفة: لا يُؤكلُ الخيل، وبه قال مالك والأوزاعي وأبو عبيد، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل:8] خرجَ مخرج الامتنان، والأكل من أعلى منافعها، والحكيمُ لا يترك الامتنان بأعلى النِّعم ويمتن بأدناها.
          وبما روى أبو داود والنَّسائي وابن ماجه من حديث خالد بن الوليد ☺ قال: ((نهى رسولُ الله صلعم عن لحومِ الخيلِ والبغالِ والحمير)) فيُعارضُ حديث جابر ☺، والتَّرجيح للمحرم.
          فإن قيل: حديث جابر ☺ صحيحٌ، وحديثُ خالد ☺ متكلَّم فيه إسنادًا ومتنًا، والاعتمادُ على أحاديث الإباحةِ لصحَّتها وكثرةِ رواتها.
          فالجواب: أنَّ سند حديث خالد جيدٌ، ولهذا لمّا أخرجَه أبو داود سكتَ عنه، فهو حسنٌ عندَه. وقال النَّسائي: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم: أخبرني بقيَّة: أخبرني ثور بن يزيد عن صالح فذكره بسندهِ، وقد صرَّح فيه بقيَّة بالتَّحديث عن ثور، وثور حمصيٌّ أخرج له البخاري وغيره، وبقيَّة إذا صرَّح بالتَّحديث كان السند حجَّة، قاله ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة والنَّسائي وغيرهم، خصوصًا إذا كان الَّذي حدّث عنه بقيَّة. وقال ابنُ عدي: إذا روى بقيَّة عن أهل الشَّام فهو ثبتٌ. وصالح وثَّقه ابنُ معين وأبوه يحيى، ذكره الذَّهبي وقال: وثِّق، وأبوه المقدام بن معدي كرب صحابي، فإذا كان كذلك صحَّت المعارضة، فإذا تعارضا يُرجَّح المحرم.
          فإن قلت: ادَّعى بعضهم أنَّ حديث خالد منسوخٌ بحديث جابر؛ لأنَّه قال فيه: ((وأذن))، وفي لفظ: ((ورخص)). فالجواب: أنَّه لا يصحُّ الاستدلال على النسخ بقوله: (أذن) أو (رخَّص)؛ لأنَّه يحتمل أن يكون إذنه أن يكون في حالة المخمصة إذ هي أغلبُ / أحوال الصَّحابة ♥ ، وفي الصَّحيح أنَّهم ما وصلوا إلى خيبر إلا وهم جياع.
          فإن قيل: لو كانت الإباحة للمخمصة لما اختصَّت بالخيل. فالجواب: أنَّه يمكن أن يكون في زمن الإباحة (بالفرس) ما أصابوا البغال والحمير، وفيه تأمُّل لما سيأتي في الحديث الآتي.
          فإن قيل: قال ابنُ حزم: في حديث خالد دليلُ الوضع؛ لأنَّ فيه عن خالد غزوتُ مع النَّبي صلعم خيبر، وهذا باطلٌ؛ لأنَّه لم يُسلم خالد إلَّا بعد خيبر بلا خلاف.
          فالجواب: أنَّه ليس كما قال، بل فيه خلافٌ، فقيل: هاجر بعد الحُديبية، وقيل: بل كان إسلامه بين الحُديبية وخيبر، وقيل: أسلمَ سنة خمس بعد فراغِ رسول الله صلعم من بني قُرَيظة، وكانت الحُديبية في ذِي القعدة سنة ستٍّ، وخيبر بعدها سنة سبعٍ، ولو سلم أنَّه أسلم بعد خيبر فغاية ما فيه أنَّه أرسل الحديث، ومراسيل الصَّحابة في حكم الموصول المسند، قاله ابنُ الصَّلاح وغيره، والله تعالى أعلم.
          ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرةٌ.
          وقد أخرجه البخاريُّ في الذَّبائح أيضًا [خ¦5524]، وأخرجه مسلم فيه وأبو داود في الأطعمة والنَّسائي في الصيد.