نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: لا تأكلوا من لحوم الحمر شيئًا وأهريقوها

          4220- (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الواسطي، سكن بغداد، يُلقَّب سَعْدَويه، يُكنى: أبا عثمان، قال: (حَدَّثَنَا عَبَّادٌ) بفتح العين وتشديد الموحدة، هو: ابنُ العوام بن عمر الواسطي، مات سنة خمس وثمانين ومائة (عَنِ الشَّيْبَانِيِّ) بفتح المعجمة وسكون التحتية وبالموحدة، هو أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان، واسم أبي سليمان فيروز الكوفي، أنَّه قال: (سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي أَوْفَى) هو: عبدُ الله بن أبي أوفى، واسم أبي أوفى: علقمة بن خالد الأسلمي.
          (يَقُولُ: أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: فَإِنَّ الْقُدُورَ لَتَغْلِي) من الغليان، واللام فيه للتأكيد، كذا وقع مختصرًا، وتمامه قد تقدَّم في فرض الخُمُس من وجه آخر عن الشَّيباني [خ¦3155] بلفظ: «فلمَّا كان يوم خيبر وقعنا في الحُمُر الأهلية فانتحرناها، فلمَّا غلَّتْ القُدور». الحديث، وقد ذكر الواقديُّ أنَّ عدد الحمير الَّتي ذبحوها كانت عشرين أو ثلاثين، كذا رواه بالشَّك.
          (قَالَ: وَبَعْضُهَا نَضِجَتْ، / فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ صلعم ) وهو أبو طلحة (لَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِيقُوهَا) أصله: أريقوها، من الإراقة (قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: فَتَحَدَّثْنَا أَنَّهُ) أي: الشأن (إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا) أي: عن لحوم الحُمُر الأهليَّة (لأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ) على صيغة المجهول من التَّخميس؛ أي لأنَّه لم يُؤخذ منها الخُمُس (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) أي: بعض الصَّحابة ♥ (نَهَى عَنْهَا الْبَتَّةَ) أي: قطعًا من البتِّ، وهو القطعُ، يُقال: لا أفعله البتَّة لكلِّ أمرٍ لا رجعةَ فيه، وانتصابها على المصدريَّة، تقديره: أبتُّ ألبتَّة. قال الكرمانيُّ: وهمزته همزة قطع على خلاف القياس.
          وقال الحافظُ العسقلاني: وألفها ألف وصل، وجزم الكرمانيُّ بأنَّها ألف قطع على غير القياس، ولم أرَ ما قاله في كلام أحدٍ من أهل اللُّغة.
          قال الجوهريُّ: الانبتات: الانقطاعُ، ورجل منبَتٌّ؛ أي: منقطع، قال: ورأيتُه في النُّسخ المعتمدة بألف وصل، انتهى.
          وتعقَّبه العيني بأنَّ عدم رُؤيته لا ينفي ذلك؛ لأنَّه لم يُحط بجميع ما قاله أهلُ اللُّغة، وجهل شخص بشيءٍ لا يُنافي علم غيره، هذا فليتأمل.
          (لأَنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ) أي: النَّجاسة، وقد تقدَّم في فرضِ الخمس [خ¦3155] أنَّ بعض الصَّحابة قال: نهى عنها البتَة، وأنَّ الشَّيباني قال: لقيتُ سعيد بن جُبير فقال: «نهى عنها البتَّة». وزاد الإسماعيلي من رواية جرير عن الشَّيباني قال: فلقيتُ سعيد بن جبير فسألته عن ذلك، وذكرتُ له هذا، فقال: نهى عنها البتة؛ لأنَّها كانت تأكلُ العَذِرة.
          وقال الكرمانيُّ: وفي التَّعليلين مناقشة؛ لأنَّ التَّبسط في المأكولات قبل القسمة قدر الكفاية حلال، وأكل العُذِرة موجبٌ للكراهةِ لا للتَّحريم.
          وقال النَّووي: السَّبب في الأمر بالإراقة أنَّها نجسة، وقيل: نهى عنها للحاجةِ إليها، وقيل: لأنَّها أخذوها قبل القسمةِ، وهذان التَّأويلان لأصحاب مالك القائلين بإباحةِ لحمها.
          ومطابقة الحديث للترجمة ظاهرةٌ، وقد مضى في الخُمُس [خ¦3155].