نجاح القاري لصحيح البخاري

باب وفد عبد القيس

          ░69▒ (باب وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ) هي قبيلةٌ كبيرةٌ، يسكنون البحرين، وينتسبون إلى عبد القيس بن أَفْصَى _بفتح الهمزة وسكون الفاء وبالصاد المهملة، على وزن أعمى_ ابن دُعْمِي _بضم الدال وسكون العين المهملة / وكسر الميم وسكون الياء_ ابن جَديلة _بفتح الجيم على وزن كبيرة_ ابن أسد بن ربيعة بن نزار.
          وكانت قريتهم بالبحرين أوَّل قرية أُقيمت فيها الجمعة بعد المدينة، كما ثبتَ في آخر حديث في الباب [خ¦4371] تُسمى: جُوَاثى _بضم الجيم وتخفيف الواو وبالثاء المثلثة_، وكان عدد هؤلاء الوفد ثلاثة عشر رجلًا في سنة خمس أو قبلها. وقال ابنُ إسحاق: وكان قدوم وفد عبد القيس قبل الفتح.
          وقال الحافظُ العسقلاني: والذي تبين لنا أنَّه كان لعبد القيس وفادتان:
          إحداهما: قبل الفتح، ولهذا قالوا للنَّبي صلعم : بيننا وبينك كفَّار مضر، وكان ذلك قديمًا إمَّا في سنة خمس أو قبلها، وفيها سألوا عن الإيمان وعن الأشربة، وكان فيهم الأشجُّ، وقال له النَّبي صلعم : ((إنَّ فيك خصلتين يحبُّهما الله الحِلمُ والأناةُ)) كما أخرج ذلك مسلم من حديث أبي سعيد ☺. وروى أبو داود من حديث أمِّ أبان بنت الوازع بن الزَّارع عن جدِّها زارع، وكان في وفدِ عبد القيس قال: فجعلنا نتبادر من رواحلنا؛ يعني: لمَّا قدموا المدينة فنُقَبِّل يد النَّبي صلعم ، وانتظر الأشج، واسمه المنذر حتَّى لبس ثوبيه فأتى النَّبي صلعم فقال له: ((إنَّ فيك لخلتين)) الحديث.
          وفي حديث هود بن عبد الله بن سعد العصري: أنَّه سمع جدَّه مَزْيدة العصري قال: بينما النَّبي صلعم يُحدِّث الصَّحابة (1)، إذ قال لهم: ((سيطلع عليكم من هاهنا ركبٌ هم خيرُ أهل المشَّرق)) فقام عمر فتوجَّه نحوهم، فلقيَ ثلاثة عشر راكبًا فبشرهم بقول النَّبي صلعم ، ثمَّ مشى معهم حتَّى أتوا النَّبي صلعم ، فرموا بأنفسهم عن ركائبهم، فأخذوا يده فقبلوها. وتخلَّف الأشج في الركاب حتَّى أناخَها، وجمع متاعهم، ثمَّ جاء يمشي، فقال النَّبي صلعم : ((إنَّ فيك خصلتين)) الحديث. أخرجه البيهقيُّ. وأخرجه البخاريُّ في «الأدب المفرد» مطولًا من وجه آخر عن رجل من وفد عبد القيس.
          ثانيتهما: كانت في سنة الوفود، وكان عددهُم حينئذٍ أربعين رجلًا كما في حديث أبي خَبْرَة الصُّباحي الذي أخرجَه ابنُ مَنْده، وكان فيهم الجارود العبدي. وقد ذكر ابنُ إسحاق / قصَّته، وأنّه كان نصرانيًا فأسلمَ وحسُنَ إسلامه. ويؤيِّد التَّعدد: ما أخرجه ابن حبَّان من وجه آخر: أنَّ النَّبي صلعم قال لهم: ((ما لي أرى ألوانكُم تغيَّرت)) ففيهِ إشعار بأنَّه كان رآهم قبل التَّغير.


[1] في الفتح ودلائل النبوة (أصحابه).