نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر الناس ببانًا

          4235- (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ) قال: (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) أي: ابن أبي كثير (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (زَيْدٌ) هو: ابنُ أسلم مولى عمر بن الخطاب ☺ (عَنْ أَبِي أُسَامَةَ (1) أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ☺ يَقُولُ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّانًا) بفتح الموحدة الأولى وتشديد الثانية وبالنون، قال أبو عُبيد _بعد أن أخرجَه عن ابنِ مهدي_: قال ابنُ مهدي: يعني شيئًا واحدًا.
          وقال الخطَّابي: ولا أحسب هذه اللَّفظة عربية، ولم أسمعها في غير هذا الحديث. وقال الأزهريُّ: بل هي لغة صحيحةٌ لكنها غيرُ فاشيةٍ، وقد صحَّحها صاحب «العين» (2) وقال: يُقال: هم على ببان واحد؛ أي: شيء واحدٍ، وعلى طريقةٍ واحدة. وقال الجوهريُّ: هو فعلان. وقال أبو سويد الضَّرير: ليس في كلام العرب ببان، وإنما هو بيان _بموحدة ثمَّ تحتانية مشددة بدل الموحدة الثانية_. وقال ابنُ الأثير: ببان _بموحدتين_ وهو الصَّحيح.
          وقال الطَّبري: المعنى لولا أن أتركهم فقراء مُعْدمين لا شيءَ لهم، أي: متساوين في الفقر.
          قال الحافظُ العسقلاني: وقد وقعَ من عمر ☺ ذكر هذه الكلمة في قصَّة أخرى، وهو أنَّه كان يُفضل المهاجرين وأهل بدرٍ في القسمة، فقال: إن عشت لأجعلنَّ الناس ببانًا واحدًا، ذكره الجوهري.
          وهو ممَّا يؤيِّد تفسيرها بالتَّسوية.
          وروى الدَّارقطني في «غرائب مالك» من طريق معن بن عيسى عن مالك بسند حديث الباب عن عمر ☺ قال: ((لئنْ بقيتُ إلى الحولِ لألحقنَّ أسفل الناس بأعلاهم)). وقد تقدَّم ذلك في باب الغنيمة لمن شهد الوقعة، من «كتاب الجهاد» [خ¦3125].
          (لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلَّا قَسَمْتُهَا، كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلعم خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا) أي: يقتسمون خراجَها، فالمعنى _والله تعالى أعلم_: لولا ترك الَّذين هم من بعدنا فقراء مستويين في الفقرِ لقسمتُ أراضي القرى المفتوحة بين الغانمين، لكنِّي ما قسمتُها بل جعلتُها / وقفًا مؤبَّدًا، وتركتها كالخزانةِ لهم يقتسمونها كلَّ وقت إلى يوم القيامة.
          وغرضُه أنِّي لا أُقسمها على الغانمين، كما قسمَ رسول الله صلعم نظرًا إلى المصلحة العامَّة للمسلمين، وذلك كان بعد استرضائهِ لهم، كما فعلَ عمرُ بن الخطاب ☺ بأرض العراق. وقال ابنُ الأثير: معناه لأسوِّين بينهم في العطاء حتَّى يكونوا شيئًا واحدًا لا فضلَ لأحدٍ على غيره.
          ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: «كما قسمَ النَّبي صلعم خيبر».


[1] في هامش الأصل: في نسخة صحيحة: عن أبيه.
[2] في هامش الأصل: في نسخة: صاحب المغني.