نجاح القاري لصحيح البخاري

باب السرية التي قبل نجد

          ░57▒ (بابُ السَّرِيَّةِ الَّتِي قِبَلَ نَجْدٍ) أي: جهته، وقِبَل: بكسر القاف وفتح الموحدة، والنَّجْد: بفتح النون وسكون الجيم، وهو كل ما ارتفع من تهامة إلى أرض العراق، والسَّرية: طائفة من الجيش يبلغ أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو، وتجمع على سرايا، سمُّوا بذلك؛ لأنَّهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري؛ أي: النفيس، وقيل: سموا بذلك لأنَّهم ينفذون سرًا وخفية، وليس بوجه وجيه؛ لأنَّ لام السِّر: راء، وهذه ياء. وقال الحافظُ العسقلاني: والسَّرِيَّة: بفتح المهملة وكسر الراء وتشديد التحتانية، هي الَّتي تخرج باللَّيل، والسارية الَّتي تخرج بالنهار. وقيل: سُمِّيت بذلك؛ لأنَّها تُخفي ذهابها، وهذا يقتضي أنَّها أُخذت من السِّير ولا يصحُّ لاختلاف المادة، وهي قطعةٌ من الجيش تخرج منه وتعود إليه، وهي من مائة إلى خمسمائة، فما زاد على خمسمائة، يُقال له: مَنْسَر _بالنون ثمَّ المهملة_، فإن زاد على ثمانمائة يُسمَّى: جيشًا، وما بينهما يُسمَّى: هَبْطة، فإن زاد على أربعة آلاف يُسمَّى: جَحْفلًا، فإن زاد فجيشٌ جرَّار، والخَمِيس: الجيشُ العظيم، وما افترقَ من السَّرِيَّة يُسمَّى: بعثًا، فالعشرة وما دونها (1) يسمَّى: حقيرة، والأربعون: عصبة، وإلى ثلاثمائة: مِقْنَب _بقاف ونون ثم موحدة_، فإن زاد يسمَّى: جَمْرَة _بالجيم_، والكتيبة: ما اجتمعَ ولم ينتشر، وكانت هذه السَّرِية قبل توجه النَّبي صلعم لفتح مكَّة، ذكرها أهل المغازي هكذا، والبخاريُّ ذكرها بعد غزوة الطَّائف كما ترى، فقال ابنُ سعد: كانت في شعبان سنة ثمان، وذكر غيره أنَّها كانت قبل مؤتة، ومؤتة كانت في جمادى من السنة كما تقدَّم، وقيل: كانت في رمضان.
          وقال ابنُ سعد: وكان أميرهم أبا قتادة أرسلَه صلعم إلى أرض محارب بنجدٍ، ومعه خمسة عشر رجلًا وقيل: كانوا خمسة وعشرين وغنموا من غطفان أرض محارب مائتي بعير وألفَي شاة وسبوا سبايا كثيرة، وكانت غيبتُهم خمس عشرة ليلة فجمعوا الغنائم، فأخرجوا الخُمُس فعزلوهُ وقسموا ما بقيَ على السَّرية.
          وقال ابنُ التِّين: وروي أنَّهم كانوا عشرة، وأنَّهم غنموا مائة وخمسين بعيرًا، وأنَّه صلعم أخذ الثُّلثين منها، قال: ولو كان النَّفل من خُمس الخُمس لم يعمهم ذلك.
          ثمَّ اعلم أنَّ عدَّة سَراياه وبُعوثه صلعم على ما ذكره السُّهيلي عن المسعودي ستون، وقيل: سبع وأربعون، وقيل: ثمان وأربعون، وقيل: غير ذلك، والله تعالى أعلم.


[1] في الفتح (فما بعدها)