نجاح القاري لصحيح البخاري

باب بعث النبي أسامة بن زيد في مرضه الذي توفي فيه

          ░87▒ (بابُ بَعْثِ النَّبِيِّ صلعم أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ☻ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ) أسامة بن زيد بن حارثة مولى النَّبي صلعم من أبويهِ، وإنما أخَّر المصنف هذه التَّرجمة لما جاء أنَّه كان تجهيز أسامة ☺ يوم السبت قبل موت النَّبي صلعم بيومين؛ لأنَّه كان موته صلعم يوم الاثنين.
          قال ابنُ إسحاق: لمَّا كان يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من صفر بدئ برسول الله صلعم / وجعه فحُمَّ وصدع، فلمَّا أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواءً بيده، ويُروى: أنَّه كان ابتداء ذلك قبل مرض النَّبي صلعم ، فندب النَّاس لغزو الرُّوم في أواخر صفر ودعا أسامة ☺ فقال: ((اغزُ بسم الله، فقاتلْ من كفر بالله، وسرْ إلى موضع مقتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد ولَّيتك على هذا الجيش فاغزُ صباحًا على أهل أُبْنَى _وهي أرضُ الشُّراة ناحية البلقاء_ وحرِّق عليهم، وأسرع السَّير تسبق الخبر، فإن ظفَّرك الله بهم، فأقلل اللَّبث فيهم)) فخرج بلوائه معقودًا، فدفعه إلى بُريدة بن الحُصيب الأسلمي، وعسكر بالجرف، فلم يبق أحدٌ من المهاجرين الأولين والأنصار إلَّا انتدبَ في تلك الغزوة منهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجرَّاح وسعد وسعيد وقتادة بن النُّعمان وسلمة بن أسلم ♥ ، فتكلم قوم في ذلك منهم عيَّاش بن أبي ربيعة المخزومي وهو الذي باشرَ القول ممَّن نسب إليهم الطعن في إمارته وقالوا: يستعملُ هذا الغلام على المهاجرين الأولين، فردَّ عليهم عمر ☺ وأُخبر النَّبي صلعم فغضب غضبًا شديدًا، فخرج وقد عَصَب على رأسه عِصَابة وعليه قطيفة، فصعدَ المنبر، فحمدَ الله وأثنى عليه، ثمَّ قال: ((أيَّها النَّاس فما مَقالة بلغتني عن بعضكُم في تأميرِي أسامة؟ وإن طعنتُم في تأميري أسامة فقد طعنتُم في إمارةِ أبيه من قبلهِ، وايم الله إن كان خليقًا بالإمارةِ، وإنَّ ابنه بعده لخليقٌ بالإمارة)) ثمَّ نزلَ فدخل بيته، وذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول سنة إحدى عشرة. قال ابنُ هشام: إنما طعنوا في إمارة أسامة؛ لأنَّه ابن مولى وكان صغير السِّن، وقيل: إنما قال ذلك المنافقون.
          ولمَّا كان يوم الأحد اشتدَّ برسول الله صلعم وجعه فقال: ((أَنفذوا بعثَ أسامة)) فجهَّزه أبو بكر ☺ بعد أن استُخلفَ، فسار عشرين ليلة إلى الجهة التي أمرَ بها، وقتل قاتلَ أبيه، ورجع بالجيشِ سالمًا، وقد غنموا. ويُروى: أنَّه لمَّا اشتد برسول الله صلعم وجعه دخلَ أسامة / من معسكره والنَّبي صلعم مغمورٌ فطأطأَ أسامة رأسه فقبَّله والنَّبي صلعم لا يتكلَّم، ورجعَ أسامة إلى معسكرهِ، ثمَّ دخل يوم الاثنين فأصبحَ رسول الله صلعم مفيقًا، وأمر أسامة النَّاس بالرحيل، فبينما هو يريدُ الرُّكوب إذا رسول أمِّ أيمن قد جاء يقول: إنَّ رسول الله صلعم يموتُ، فأقبل أسامةُ وأقبلَ معه عمر وأبو عُبيدة فانتهوا إلى رسول الله صلعم وهو يموتُ فتوفي حين زاغت الشَّمس يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلتْ من ربيع الأول، ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة، ودخل بُريدة بن الحصيب بلواء أسامة معقودًا حتَّى أتى به إلى باب رسولِ الله صلعم فغرزَهُ عنده، فلمَّا بُويع لأبي بكر ☺ أمرَ أسامة أن يمضيَ إلى وجهه، وسار عشرين ليلة، فشنَّ عليهم الغارة، فقتلَ من أشرف له، وسبى من قدر عليه، وحرَّق منازلهم وحرثَهم ونخيلَهم، وكان أسامةُ على فرسِ أبيه سبحة، وقتل قاتل أبيه في الغارة، ثمَّ قسَّم الغنيمة، ثمَّ قصد المدينة، وما أُصيب من المسلمين أحدٌ، وخرج أبو بكر في المهاجرين وأهل المدينة يتلقونهم، وكان أسامة دخل على فرس أبيه سَبْحة واللِّواء أمامه يحملُه بُريدة بن الحصيب، وبلغ هرقل وهو بحمص ما صنع أسامةُ فبعث رابطةً يكونون بالبلقاء، فلم تزلْ هناك حتَّى قدمت البُعوث إلى الشَّام في خلافة أبي بكر وعمر ☻ .
          وقد قصَّ أصحابُ المغازي هذه القصَّة مطوَّلة فهذا ملخَّصها، وقد أنكر ابنُ تيمية في كتاب ((الرد على ابن المطهر)) أن يكون أبو بكر وعمر ☻ كانا في بعث أسامة، ومستند من ذكره ما أخرجه الواقدي بأسانيده في ((المغازي)).
          وذكره ابنُ سعد في أواخر التَّرجمة النبوية بغير إسناد، وذكره ابن إسحاق في ((السيرة)) المشهورة، والله تعالى أعلم. /
          وذكر ابن الجوزي في «المنتظم» أنَّه لمَّا جهزه أبو بكر ☺ بعد أن استُخلفَ سأله أبو بكر ☺ أن يأذنَ لعمر ☺ بالإقامة فأذن له. وذكر الواقديُّ وابن عَساكر من طريقه مع أبي بكر وعمر أبا عُبيدة وسعدًا وسعيدًا وسلمة بن أسلم وقتادة بن النعمان أيضًا. وعند الواقدي أيضًا: أنَّ عدة ذلك الجيش كان ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة من قريش. وعنده عن أبي هريرة ☺: كان عدَّة الجيش سبعمائة، والله تعالى أعلم.