نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث أنس: خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين

          4197- (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ) قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ ☺) وفي رواية أبي إسحاق الفَزاري عن حُمَيْد: ((سمعتُ أنسًا ☺)) كما تقدَّم في الجهاد [خ¦2943] (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم أَتَى خَيْبَرَ لَيْلًا) أي: قرُب منها في اللَّيل، وذكر ابنُ إسحاق أنَّه نزل بواد يُقال له: الرَّجيع، بينهم وبين غَطَفان لئلا يمدوهم، وكانوا حلفاءهم قال: فبلغني أنَّ غطفان / تجهَّزوا وقصدوا خيبر، فسمعوا حسًّا خلفهم، فظنُّوا أنَّ المسلمين خَلَفوهم في ذراريهم، فرجعوا فأقاموا وخذلوا أهل خيبر (وَكَانَ إِذَا أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ بِهِمْ) بضم الياء وكسر الغين المعجمة، من الإغارة، كذا في رواية الأكثرين. ولأبي ذرٍّ عن المستملي: <لم يَقْرَبهم> بفتح الياء وسكون القاف وفتح الراء، من القرب. وتقدَّم في الجهاد [خ¦2945] بلفظ: ((لا يُغير عليهم)). وفي الأذان من وجه آخر عن حُميد [خ¦610] بلفظ: ((كان إذا غزا لم يَغْزُ بنا حتَّى يُنصبح ويَنظر، فإن سمع أذانًا كفَّ عنهم وإلَّا أغارَ، قال: فخرجنا إلى خيبرَ فانتهينا إليهم ليلًا، فلمَّا أصبحَ ولم يسمع أذانًا ركب)).
          وحكى الواقديُّ: أنَّ أهل خيبر سمعوا بقصدهِ لهم فكانوا يخرجونَ في كلِّ يوم متسلَّحين مستعدين فلا يرون أحدًا حتَّى إذا كانت اللَّيلة الَّتي قدم فيها المسلمون ناموا فلم تتحرَّك لهم دابَّة، ولم يَصِح لهم ديك، وخرجوا بالمساحِي طالبين مَزَارعهم فوجدوا المسلمين.
          (حَتَّى يُصْبِحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتِ الْيَهُودُ) زاد أحمد من رواية قتادة عن أنس ☺: ((إلى زروعهم)) (بِمَسَاحِيهِمْ) بمهملتين جمع مسحاة، وهي من آلات الحرث (وَمَكَاتِلِهِمْ) جمع مِكتلٍ وهي القُفَّة الكبيرة الَّتي يُحَوّل فيها التراب وغيره. وعند أحمد من حديث أبي طلحة في نحو هذا الحديث: ((حتَّى إذا كان عند السَّحر وذهب ذو الزَّرع إلى زرعهِ، وذو الضَّرع إلى ضرعهِ أغار عليهم)). وتقدَّم في أوائل الصَّلاة من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس ☺ [خ¦371] بلفظ: ((وخرج القوم إلى أعمالهم فقالوا: محمد _قال عبد العزيز: قال بعض أصحابنا عن أنس_: والخميس)).
          (فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ، وَالْخَمِيسُ) أي: هذا محمد والخميس؛ أي: الجيش سُمِّي خميسًا؛ لأنَّه خمسة أقسام: الميمنة، والميسرة، والقلب، والمقدمة، والساقة، ويجوز في الخميس الرفع والنصب، فالرفع على العطف، والنصب على أنَّه مفعول معه. وزاد في الجهاد من وجه آخر [خ¦2991]: ((فلجئوا إلى الحصن))؛ أي: تحصنوا.
          (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : خَرِبَتْ خَيْبَرُ) وزاد في الجهاد [خ¦3647]: ((فرفع يديه وقال: الله أكبر خربت خيبر)) وزيادة التَّكبير في معظم الطُّرق عن أنس ☺ وعن حُميد. قال السُّهيلي: يؤخذ من هذا الحديث التَّفاؤل؛ لأنَّه صلعم لما رأى آلة الهدمِ مع أنَّ لفظ المسحاة من سَحَوت إذا قشَّرت أخُذ / منه أنَّ مَدِينتهم ستخربُ، انتهى، ففيه أخذ التَّفاؤل من حيث الاشتقاق. ويُحتمل أن يكون قال: خربتْ خيبرُ بطريق الوحي، ويؤيِّده قوله بعد ذلك:
          (إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ) السَّاحة: الفضاء، وأصلها: الفضاء بين المنازل (فَسَاءَ) من أفعال الذَّم (صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ) بفتح الذال المعجمة، وقوله في رواية محمد بن سيرين عن أنس ☺ [خ¦4197]: ((صَبَّحنا خيبر بُكرة)) لا ينافي قوله في رواية حُميد عن أنس ☺ [خ¦4197]: ((أنَّهم قدموها ليلًا))، فسياقه يُحمل على أنَّهم لما قدموهَا وناموا دونها ركبوا إليها بُكرةً فصبَّحوها بالقتال والإغارة. وقد وقع ذلك في رواية إسماعيل بن جعفر عن حُميد واضحًا [خ¦610]. وزاد في رواية محمد بن سيرين قصَّة الحُمُر الأهلية.
          وقد مضى الحديث في الجهاد، في باب دعاء النَّبي صلعم الناس إلى الإسلام [خ¦2943].
          ومطابقته للترجمة ظاهرة.