نجاح القاري لصحيح البخاري

باب غزوة مؤتة من أرض الشام

          ░44▒ (باب غَزْوَةُ مُوْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأمِ) وفي نسخة: <بأرض الشَّأم>؛ أي: كائنة منها أو فيها، ومُوْتَة: بضم الميم وسكون الواو بغير همز عند أكثر الرواة، وبه جزم المبرد، ومنهم من يهمزها، وبه جزمَ ثعلبُ والجوهريُّ وابن فارس، وحكى صاحب «الواعي» الوجهين، وقال أبو العبَّاس محمد بن يزيد: لا يهمز موتة، وأمَّا الموتة الَّتي وردت الاستعاذة منها وفسِّرت بالجنون فهي بغير همزٍ.
          ثمَّ إنَّ مؤتة قال ابنُ إسحاق: هي بالقربِ من البلقاء. /
          وقال الكرمانيُّ: هي على مرحلتين من بيت المقدس، والسَّبب فيها أنَّ شرحبيل بن عَمرو الغسَّاني، وهو من أمراءِ قيصر على الشَّام قتل رسولًا أرسلَه النَّبي صلعم إلى صاحبِ بصرى، واسم الرَّسول: الحارث بن عُمير، ولم يُقتل لرسول الله صلعم غيره، فجهَّز إليهم النَّبي صلعم عسكرًا في ثلاثةِ آلاف، وأمَّر عليهم زيد بن حارثة فقال: إن أُصيب فجعفر، وإن أُصيب فعبد الله بن رواحة، فتجهَّزوا وعسكروا بالجرف، وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عُمير، وأن يدعوهم من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلَّا قاتلوهم، وخرجَ مشيعًا لهم حتَّى بلغ ثنيَّة الوداع، ولما بلغَ العدو مسيرهم جمعوا لهم أكثر من مائة ألف وبلغهم أنَّ هرقل قد نزلَ مآب من أرض البلقاء في مائة ألف من بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام فقاتلهم المسلمون، وقاتل الأمراء على أرجلهم، فقُتلَ زيد طعنًا بالرِّماح، ثمَّ أخذ اللِّواء جعفر فنزلَ عن فرس له شقراء فعَرْقَبَها، فكانت أوَّل فرسٍ عُرقب في الإسلام، فقاتل حتَّى قُتَل، ضربه رجلُ من الروم فقطعه نصفين، فوجد في أحد نصفيهِ ضعة وثلاثون جرحًا، ثمَّ أخذَه عبدُ الله فقاتلَ حتَّى قُتلَ، واصطلحَ الناس على خالدِ بن الوليد ☺ فأخذَ اللِّواء وانكشفَ النَّاس فكانت الهزيمةُ على المسلمين، وتبعَهم المشركون فقُتل من قُتل من المسلمين.
          ورفعتِ الأرضُ لسيدنا رسول الله صلعم ، فلمَّا أخذ خالد اللَّواء قال صلعم : ((الآن حميَ الوطيسُ))، وجعلَ خالد مقدمته ساقة، وساقتُه مقدِّمة، وميمنته ميسرة، وميسرته ميمنة، فأنكرَ الروم ذلك، وقالوا: قد جاءهم مددٌ فرعبوا وانكشفوا منهزمين، فقتلوا منهم مَقْتلة لم يقتلها قومٌ، وغنمَ المسلمون بعضَ أمتعة المشركين.
          وفي «الدلائل» للبيهقي: ولما أخذ خالدٌ اللِّواء قال صلعم : ((اللَّهم إنَّه سيف من سُيوفك، فأنت تنصره)) فمن يومئذٍ سُمِّي خالد سيفَ الله، وفي «مغازي» أبي الأسود عن عروة: بعث رسولُ الله صلعم الجيش إلى مؤتة في جمادى من سنة ثمان، وكذا قال ابنُ إسحاق وموسى بن عُقبة / وغيرهما من أهل المغازي، لا يختلفون في ذلك إلَّا ما ذكر خليفة في «تاريخه» أنَّها كانت سنة سبع.