الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا أسلم الصبي فمات هل يصلى عليه

          ░79▒ (بَابٌ: إِذَا أَسْلَمَ الصَّبِيُّ): أي: الذي دونَ البلوغ، وكان مميزاً (فَمَاتَ): أي: قبلَ بلوغه (هَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ؟): بالبناء للمفعول؛ أي: أم لا (وَهَلْ يُعْرَضُ): بضم التحتية؛ أي: ندباً (عَلَى الصَّبِيِّ الإِسْلاَمُ): أي: أم لا؟ بناءً على صحة إسلامهِ وعدمها، وميل المصنِّفِ إلى صحَّته، ولذلك قال في الجهاد في باب كيف يعرضُ الإسلام على الصبي، وبصحَّة إسلامه قال أبو حنيفة ومالك دون الشافعي فإنَّه قال: لا يصحُّ منه إسلامٌ ولا كفرٌ وإن ميز وراهق، وقال شيخ الإسلام: وجواب ((هل)) في الموضعين محذوفٌ؛ أي: نعم، على مقتضى الحديث الآتي.
          وقال في ((الفتح)): هذه الترجمة معقودةٌ لصحَّة إسلام الصبي، وهي مسألةُ اختلافٍ كما سنبينه.
          (وَقَالَ الْحَسَنُ): أي: البصري (وَشُرَيْحٌ): بالشين المعجمة والحاء المهملة آخره مصغَّراً، مما أخرجه البيهقي عنهما بمعنى ما هنا، فإن لفظ البيهقي: عن الحسن في الصَّغير قال: مع المسلم من والديهِ، ولفظه عن شريح: أن الشعبي قال: اختصمَ إليه في صبيٍّ أحدُ أبويه نصرانيٌّ، قال: الوالدُ المسلم أحقُّ بالولد.
          (وَإِبْرَاهِيمُ): أي: وقال إبراهيم النَّخعي (وَقَتَادَةُ): مما وصله عبد الرزاق عنهما، وقوله: (إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا): أي: أحدُ الوالدين (فَالْوَلَدُ مَعَ الْمُسْلِمِ): أي: منهما أباً أو أماً، مقولُ الأربعة المذكورين، ولا يظهر مناسبةُ هذه الآثار للتَّرجمة إلا إذا حملنا قوله: ((إذا أسلم الصَّبي)): على ما يعمُّ التَّبعيَّة، فتدبر.
          وقال العينيُّ: مطابقةُ أثر هؤلاء يحسن أن يكون للترجمة الثانية، وهي قوله: هل يُعرَض على الصِّبي إسلام؟ فإن أبويه إذا أسلما أو أسلمَ أحدُهما يكون مسلماً، انتهى فتأمله.
          (وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَعَ أُمِّهِ): هي لُبَابة _بضم اللام وبموحدتين بينهما ألف_ بنت الحارث الهلالية (مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ): بفتح العين؛ أي: المشارِ إليهم في قوله تعالى: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء:98]، وهذا الأثرُ المعلق وصله المصنِّف في هذا الباب عنه بلفظ: كنت أنا وأمي من المستضعفين، وهم الذين أسلموا بمكة، وصدَّهم المشركون عن الهجرةِ، فبقوا بين أظهرهِم مستضعفينَ يلقون منهم الأذى الشَّديد.
          (وَلَمْ يَكُنْ): أي: ابن عباس (مَعَ أَبِيهِ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ): / أي: من المشركينَ.
          قال في ((الفتح)): هذا قاله المصنف تفقُّهاً، وهو مبنيٌّ على أن إسلامَ العباس كان بعدَ وقعة بدرٍ، والصَّحيح: أنه أسلم عام الفتح قبل فتحِ خيبر، وأنه هاجر عام الفتح في أول السنة، وقدمَ مع النبي مكة فشهد الفتحَ.
          (وَقَالَ): أي: ابن عباس، على ما ذكره ابن حزم في ((المحلى)) عن ابن عباس بلفظ: إذا أسلمت اليهوديَّةُ أو النصرانية تحت اليهوديِّ أو النصراني يفرَّق بينهما (الإِسْلاَمُ يَعْلُو وَلاَ يُعْلَى): ورواه الدَّارقطني بسندٍ حسنٍ من حديث عائذ بن عمرو المزني مرفوعاً، وكذلك أبو يعلى الخليلي من هذا الوجهِ في ((فوائده))، وزاد في أوله: أن عائذ بن عمرو جاء عامَ الفتح مع أبي سفيان بن حرب فقال الصَّحابةُ: هذا أبو سفيان وعائذ بن عمرو، فقال رسول الله: ((هَذا عائذُ بن عمرو وأبو سفيان، الإسلامُ أعزُّ من ذلك، الإسلامُ يَعلُو ولا يُعلَى)).
          وذكر العيني في قوله: ((الإسلامُ يَعلُو ولَا يُعلَى)) أنَّ الباب في نفس الأمر ينبِّئ عن علوِّ الإسلام، قال: ألا ترى أن الصبيَّ إذا مات بعد إسلامه قبل بلوغهِ يُصلَّى عليه ببركةِ الإسلام وعلوِّ قدره؟ وكذلك يعرضُ عليه الإسلام حتى لا يحرم فضيلته، انتهى. فيؤخذُ منه بيان مناسبةٍ أخرى للأربعة آثار، فتأمَّل.
          وفي ((الفتح)) هنا كلامٌ غير محرَّر لمن تأمَّله، والعجبُ أنَّ العيني لم يعترضْه.
          وقال شيخُ الإسلام: والأوجه أنَّهُ من كلام رسولِ الله.