الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: كيف الإشعار للميت

          ░15▒ (بَابٌ: كَيْفَ الإِشْعَارُ لِلْمَيِّت؟): تقدم الإشعارُ غير مرة، لكن أفرد له هذه التَّرجمة لقوله في آخر هذا الحديث: ((وزعَمَ أن الإشعارَ: الففنها)) فهو هنا بمعنى الإلفاف، وقد بيَّنهُ عبد الرزاق في روايته عن ابن جريجٍ قال: قلتُ لأيوب: قوله: ((أشعرنها)) تؤزرُ به؟ قال: ما أراهُ إلا قال: الففنها فيه.
          وقال شيخُ الإسلام: والمرادُ هنا بقرينةِ ما يأتي: ما يلي الجسد مع لفِّ ما زاد عليه على المرأةِ زيادة في الستر، انتهى.
          (وَقَالَ الْحَسَنُ): أي: البصري، مما وصلهُ ابن أبي شيبة بنحوه (الْخِرْقَةُ): بكسر الخاء المعجمة (الْخَامِسَةُ): أي: من أكفان المرأة الخمسة (يَشُدُّ): بالتحتية؛ أي: الغاسل، وفي ((اليُونينيَّة)) بالفوقية؛ أي: الغاسلةُ، والفعل فيهما مبني للفاعل (بِهَا): أي: بالخرقة (الْفَخِذَيْنِ وَالْوَرِكَيْنِ): وللأصيلي وأبي الوقت: <يُشَد بها الفخذان والوركان> ببناء ((يُشَد)) للمفعول، ورفع: ((الفخذان)) وما عطف عليه بالنيابة عن الفاعل، والفخذان: تثنية: فخذ، مؤنثة ككتف: ما بين السَّاق والورك مؤنثة، والجمع: أفخاذ، والوركان: تثنية ورْك _بسكون الراء، والواو مفتوحة أو مكسورة_ وككتف: ما فوق الفخذ، مؤنثة، والجمع: أوراك، ذكره فيهما في ((القاموس)).
          (تَحْتَ الدِّرْعِ): بكسر الدال المهملة، القميص، الظرف متعلق بـ((يشد)).
          تنبيه: في قول الحسن: ((الخرقة الخامسة)) إشعارٌ بأن المرأة تكفَّنُ في خمسةِ أثواب، وتقدَّم أنه الأفضل في كفن المرأة عند غير المالكيَّة؛ فإنهم استحبُّوا السبع للمرأة، كما مر في باب: هل تكفن المرأة في إزار الرَّجلِ، وروى الجوزقي عن أم عطيَّةِ قالت: فكفنَّاها في خمسة أثوابٍ وخمَّرناها كما يخمَّر الحي، وهذه الزيادةُ صحيحة الإسناد كما في ((الفتح)).
          وقال ابنُ المنذر: أكثرُ من يحفظ عنه من أهل العلم يرى أن تكفَّنَ المرأةُ في خمسة أثوابٍ، قال في ((الفتح)): وبقول الحسن في الخرقةِ الخامسة قال زُفر، وقالت طائفة: يشدُّ
           / على صدرها ليضمَّ أكفانها، قال: وكأن المصنِّفَ أشارَ إلى موافقة قول زُفر، ولا يكره القميص للمرأةِ على الرَّاجحِ عند الشَّافعية والحنابلة، انتهى.
          وأقول: قد يفهم منه أنه يكرهُ عند غيرهم، ولعلَّه غير مرادٍ، فقد قال الحنفيَّة: وسنة كفنِ المرأةِ: درعٌ وإزار ولفافةٌ وخمار، وخرقةٌ تربطُ فوق ثديها.
          وقال المالكيَّة واللفظ لـ((رسالة ابن أبي زيد)): ولا بأس أن يقمص الميت ويعمَّم، وقال في ((شرحها)): استعمل لا بأس هنا فيما فعله خيرٌ من تركهِ، فقد نصَّ في ((المختصر)) على استحبابه، والعمامةُ إنما تستحبُّ للرجل دون المرأةِ، انتهى ملخَّصاً.