الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الكفن في القميص الذي يكف أو لا يكف ومن كفن بغير قميص

          ░22▒ (بَابُ الْكَفَنِ): أي: جواز التَّكفين (فِي الْقَمِيصِ الَّذِي يُكَفُّ، أَوْ لاَ يُكَفُّ): بتشديد الفاء في الفعلين والبناء للمفعول فيهما؛ أي: في القميصِ الذي خُيِّطت حاشيته أو لا، وكففتُ الثوب: خطتُ حاشيتهُ، وكفَّة الثَّوب: حاشيتُه.
          وقال التَّيمي: يمكن أن يريد بقوله: ((يكف)) المخيط، وبقوله: ((لا يكفُّ)) غير المخيطِ، انتهى.
          وضبطهما بعضهم بفتح الياء وضم الكاف وتشديد الفاء ومفعوله محذوف؛ أي: يكفُّ العذاب عن الميِّتِ، أو لا يكفه، وصوَّبهُ ابن رشيدٍ قال: وكذا وقع في نسخة حاتمٍ الطرابلسي، وكذا رأيتهُ في أصل أبي القاسم بن الورد قال: والذي يظهرُ لي: أنَّ البخاري لحظَ قوله تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة:80]: أي: أن النَّبي ألبسَ قميصهُ عبد الله بن أُبي، سواء كان يكف عنه العذاب أو لا، استصلاحاً للقلوبِ المؤلفة، وقال: إنه لا أثرَ لكونه مكفوفاً أو غير مكفوفٍ في ذلك، واستوجه ابن التِّين هذا من حيث المعنى.
          وادعى في ((الفتح)) أنه المتبادرُ إلى الذهن، قال: والمعنى: أن التَّكفينَ في القميصِ ليس ممتنعاً ولا مكروهاً وإن كان مكفوفاً، دفعاً لقول من يدَّعي أن القميص لا يسوغ التَّكفين به إلا إذا كان غير مكفوفٍ وغير مزرَّرٍ ليشبه الرداء، ولمن يقولُ كابن سيرين كما في ((الخلافيات)) للبيهقي: يستحبُّ أن يكون قميص الميِّتِ كقميص الحيِّ مكففاً مزروراً.
          وضبطهُ بعض آخر بفتح الياء وسكون الكاف وكسر الفاء مخففة من غير تحتية، والأصل: ((يكفي)) بتحتية وأن التحتية حذفت غلطاً من الكاتب، والأولى: أن حذفها للاكتفاء بالكسرة، وجاء مثله عن بعض العربِ ومنه قولهُ تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ} [الأنعام:158].
          وقال ابنُ بطَّال: قال المهلَّب: قوله في الترجمة: ((باب الكفنِ في القميص الذي يكف أو لا يكف)) إنما صوابه: ((يكفي أو لا يكفي)) بإثبات الياء، ومعناه: طويلاً كان ذلك القميصُ أو قصيراً، فإنه يجوز الكفنَ فيه وقال العيني: وفي نسخة صاحب ((التلويح)): باب الكفن في القميص ومن كُفِّن بغير قميصٍ، وقال: كذا في نسخة سماعنا.
          (وَمَنْ كُفِّنَ): بالكاف أوله والبناء للمفعول، وفي بعضِ الأصولِ المعتمدة: <ومن تكفن> بمثناة فوقية أوله والبناء للفاعل والفاء مشددة فيهما (بِغَيْرِ قَمِيصٍ): متعلق بـ((كفن)) قوله: ((ومن كفن... إلخ)) موجودٌ في بعض النسخ الصَّحيحة، ونسبهُ القسطلاني للمستملي، والأولى: إسقاطها؛ لأنه ترجمَ بذلك عقبَ هذا الباب.