الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الصلاة على القبر بعد ما يدفن

          ░66▒ (بَابُ الصَّلاَةِ): أي: جوازها (عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ مَا يُدْفَنُ): أي: بعد دفنِ الميِّت فيه على اختلافٍ بين العلماءِ، بخلافهِ قبل الدَّفن؛ فإنها جائزةٌ عند الجميع، وإلى جوازها بعدهُ ذهب الجمهور، منهم: الشافعي، وإن صلَّى عليه وطالت المدة، وقيل: إلى شهرٍ، وقيل: ما لم يبل إذا كان المصلِّي من أهل أدائها وقتَ الموت، كما تقدَّمَ غير مرَّةٍ.
          قال ابن بطال: روي عن عليٍّ وابن مسعود وعائشة وأبي موسى: أنهم أجازوا ذلك، وبه قال الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق، واحتجوا بأحاديث هذا الباب وغيرها، ثم قال: وكرهَ قومٌ الصلاة على القبرِ، وروي عن ابن عمر أنه كان إذا انتهى إلى جنازةٍ، صُلِّي عليها دعا وانصرف ولم يصلِّ عليها، وهو قولُ النخعي والحسن البصري ومالك والثوري وأبي حنيفة والليث.
          قال ابن القاسم: قلت لمالكٍ فالحديث الذي جاءَ عن النبي صلعم: أنه صلى على قبرِ امرأةٍ؟ قال: قد جاء، وليس عليه العمل، وقال أبو الفرج: صلاةُ النبي صلعم على من دُفن خاصٌّ به لا تجوز لغيره، لقوله عليه السلام: ((إنَّ هذهِ القبور مملوءةٌ ظُلمةً على أهلها حتَّى أصلِّيَ علَيهَا)).
          ثمَّ قال: واختلفوا فيمن دُفن من غير صلاةٍ، / فقال أبو حنيفة ومحمد: يصلي على القبر ما بينهم وبين ثلاث، ثمَّ قال ابن وهبٍ: إذا ذكروا عند انصرافهم من دفنهِ فإنهم يصلُّونَ على قبره، وفي ((المبسوط)): روى ابن نافع عن مالك: إذا نسيت الصلاة حتى يفرغَ من دفنهِ لا ينبشُوهُ ولا يصلُّونَ على قبرهِ، بل يدعونَ له، وهو قولُ أشهب وسحنون، انتهى مفرَّقاً.
          وفي ((فتح الباري)) بعد ذكر حديثِ أبي هريرة: زاد ابن حبان: ((إنَّ هذِهِ القبورَ مملوءَةٌ ظُلمةً عَلى أهلِهَا، وإنَّ الله ينوِّرُها عليهِمْ بصَلَاتي))، ثم قال: ثمَّ أتى القبر فصففنا خلفه وكبَّر عليه أربعاً، قال ابن حبَّان: في تركِ الصلاة عليهم معه بيانُ جوازها لغيره وأنَّه ليس من خصائصهِ، وتُعقِّب: بأن الذي يقع بالتبعيَّة لا ينهضُ دليلاً للأصالة، انتهى ملخَّصاً.