الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الإذن بالجنازة

          ░5▒ (بَابُ الإِذْنِ بِالْجَنَازَةِ): تقدَّم الكلام على الجَنازةِ، والإِذْن _بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة_ الإعلام.
          قال ابنُ رشيد كما في ((الفتح)): ضبطناه بكسر الهمزة وسكون المعجمة، وضبطهُ ابن المرابط بمد الهمزة وكسر الذال على وزن الفاعل، قال: والأول أوجَهُ، انتهى.
          وفي بعض الأصولِ المعتمدة: <باب الأذان> بذال معجمة فألف بعدها، والمرادُ: الإعلامُ بالجنازة إذا انتهى أمرُهَا ليُصلَّى عليها وتشيعها إلى المقبرَةِ.
          قال الزَّين بن المنير: هذه التَّرجمةُ مرتَّبةٌ على التي قبلها؛ لأن النَّعْي: إعلامُ من لم يتقدَّم له علم الميت، والأذان: إعلامُ من علمِ لتهيئة أمرهِ، واستحسنه في ((الفتح)).
          وقيل: تغايرها من جهة أنَّ المرادَ بها الإعلام بالنَّفس وبالغير، بخلاف الأولى فإنَّها بالنَّفس.
          (وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ): براء فألف ففاء فعين مهملة؛ أي: نفيع، مصغَّراً.
          قال في ((التقريب)): نفيع الضائع أبو رافع، مشهورٌ بكنيته، المدنيُّ نزيل البصرة، ثقةٌ ثبتٌ من كبار التابعين، انتهى.
          (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: / أَلَّا): بفتح الهمزة وتشديد اللام، وفي ((اليُونينيَّة)) بتخفيفها وهي للتَّحضيض فيهما، وإن كانت الثانيةُ تستعملُ للعرض أكثر (آذَنْتُمُونِي؟): بمد الهمزة وفتح الذال المعجمة؛ أي: أعلمتموني به.
          قال ابنُ بطَّال: الإذنُ بالجنازة والإعلامُ بها سنَّةٌ، خلافاً لمن كرهَ ذلك، رويَ عن ابن عُمر أنه كان إذا مات له ميِّتٌ يخبر غفلةَ الناس ثمَّ يخرج بجنازته.
          وروي عنه أنه نُعيَ له رافعُ بن خديجٍ فقال: كيف تريدونَ أن تصنعوا به؟ قالوا: نحسبه، حتى نرسل إلى قباء وإلى قرى حول المدينةِ ليشهدوا، قال: نعم ما رأيتم، وكان أبو هريرة يمرُّ بالمجالس فيقول: إن أخاكُم قد مات فاشهدوا جنازتهُ، انتهى ملخَّصاً.
          وما وردَ من النَّهي محمولٌ على نعيِ الجاهليَّة، فتحملُ الأحاديث الواردةُ في الأمرين على التَّفصيل المذكور.
          وهذا التَّعليقُ طرفٌ من حديثٍ سبق للمصنف موصولاً في باب كنسِ المسجد عن أبي هريرة: أنَّ رجلاً أسود _أو امرأةً سوداء_ كان يقمُّ المسجدَ فمات، فسأل النَّبيُّ صلعم عنه فقالوا: مات، فقال: ((أفَلا كُنتُم آذَنتمُونِي بهِ؟ دُلُّوني على قبرِهِ _أو قال: على قبرِهَا_)) فأتى قبرهُ فصلَّى عليه، ومرَّ الكلام مستوفًى في ذلك الباب.
          ومطابقتهُ للتَّرجمةِ ظاهرة.