الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب فضل اتباع الجنائز

          ░57▒ (بَابُ فَضْلِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ): أي: بحصولِ القيراط إذا صلَّى عليها؛ لأنه وسيلةٌ للصَّلاة والدفن، فإذا تجرَّدت الوسيلةُ عن المقصودِ لم يحصل له الفضل المرتب عليه، نعم له فضلٌ ما بحسب نيَّته.
          وقال ابنُ رشيد: مقصودُ المصنف: بيان القدر الذي يحصلُ به مسمَّى الاتباع الذي يحرزُ به القيراط.
          وتقدَّم شيءٌ مما يحصُل به مسمَّى الاتباع في باب السرعة بالجنازة مما يتعلَّق بهذا الباب، وكأنه قصدَ هناك كيفيَّة المشي ومكانه، وقصدَ هنا ما به يحصلُ الاتِّباع، وهو أعمُّ، وهذا كلُّه يدل على براعة المصنِّف ودقَّة فهمه.
          وقال في ((الفتح)) نقلاً عن الزين ابن المنير: مرادُ الترجمة: إثبات الأجرِ، والتَّرغيب فيه، لا تعيين الحكم؛ لأن الاتِّباع من فروضِ الكفاية، والمرادُ بالفضل: ما ذكرناه، لا قسيمَ الواجب، وأجملَ في لفظ الاتباع تبعاً للحديث الذي أوردَهُ؛ لأن القيراطَ لا يحصلُ إلا لمن اتَّبع وصلَّى، أو اتَّبع وشيَّع وحضر الدَّفن، لا من اتَّبع مثلاً وشيَّع ولم يصل.
          وروى سعيد بن منصور عن مجاهد أنه قال: اتِّباع الجنازةِ أفضلُ النوافل، وفي رواية عبد الرزاق عنه: اتباع الجنازة أفضلُ من صلاة التَّطوُّع.
          (وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ): الصَّحابي المشهور، أحدُ كُتَّاب الوحي، مات بالمدينة سنة خمس وأربعين (☺: إِذَا صَلَّيْتَ): أي: على الجنازةِ (فَقَدْ قَضَيْتَ): أي: أدَّيتَ (الَّذِي عَلَيْكَ): أي: من حقِّ الميِّت.
          وهذا التعليق وصله سعيد بن منصُور عن زيد بلفظ: ((إذا صلَّيتُم عَلى الجِنَازَة فقد قضَيتُم مَا علَيكُم فخَلُّوا بينَهَا وبينَ أهلِهَا)) وكذا أخرجه عبد الرَّزاق، لكن بلفظ الإفراد، والمرادُ: فقد قضيت حقَّ الميِّتِ، / فإن أردت الاتِّباع إلى الدَّفنِ فلك زيادةُ أجرٍ، ومن لازم الصَّلاة اتباع الجنازة غالباً، فتحصلُ المطابقة.
          (وَقَالَ حُمَيْدُ): بالتصغير (ابْنُ هِلاَلٍ): أي: البصري التابعي (مَا عَلِمْنَا عَلَى الْجَنَازَةِ إِذْنَاً): أي: من أولياءِ الميت في الانصرافِ بعد الصلاة (وَلَكِنْ مَنْ صَلَّى ثُمَّ رَجَعَ فَلَهُ قِيرَاطٌ): ولا يفتقرُ إلى الإذن.
          وهذا التعليق قال في ((الفتح)): لم أرهُ موصُولاً، انتهى.
          وهذا مذهبُ جمهور العلماء، منهم: الأئمة الأربعة، إلا ما رويَ عن مالكٍ، وكذا عن عمر وابنه وأبي هريرة وابن مسعود والمسور بن مَخْرَمَة والنَّخعي: من أنه لا ينصرف إلا بالإذن من أولياء الميِّت، وكأنَّ البخاري أراد الرَّدَّ على من ذُكِر، وإلى ضعف ما وردَ فيه حديثٌ رواه أحمد بإسنادٍ ضعيفٍ عن أبي هريرة مرفوعاً: ((مَن تَبِع جنازَةً فحَمَل مِن عُلْوِها وحَثَى في قبْرِها وقعَدَ حتَّى يُؤذَن لهُ رَجَع بقيرَاطَين)).
          وروى عنه عبد الرَّزَّاق أيضاً أنه قال: أمرانِ وليسا بأمرين: الرَّجلُ يكون مع الجنازةِ يصلِّي عليها، فليس له أن يرجعَ حتى يستأذنَ وليَّها، والمرأة تحجُّ مع القوم فتحيض، وهذا منقطعٌ موقوفٌ.