الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة

          ░65▒ (بَابُ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ): وفي بعض النسخ: <باب قراءة الفاتحة>: أي: مشروعيَّةُ قراءتها في الصَّلاة (عَلَى الْجَنَازَةِ): وفي بعض النسخ: <باب قراءة الفاتحة>، وهما من أسمائها الكثيرةِ التي تبلغُ نحو الثلاثين، وقد بينَّاها في ((إسعاف الطَّالبين لتفسير كلام الله المبين))، وهي من أركانِ الصَّلاةِ المختلف فيها، فروى ابنُ المنذر عن ابن مسعود وابن الزبير والحسن بن علي وابن عباس والمسور بن مخرَمَة وعثمان بن حنيف وأبي أمامة: أنَّهم كانوا يقرؤونها، وبالوجوب قال الشَّافعي وأحمد وإسحاق لعمومِ قوله عليه السلام: ((لا صَلاةَ لمَن لم يقرَأْ بفاتِحَةِ الكِتابِ))، وفي روايةٍ عن المالكيَّة: أنها مستحبَّةٌ، كما في ((المصابيح)).
          قال: واختارهُ بعض الشُّيوخ، ولظاهرِ حديثِ ابن عبَّاس في الباب من قوله: لتعلموا أنها سنَّةٌ، والصَّحابي إذا قال ذلك فإنما يريد سنَّةَ رسولِ الله صلعم، وهو قولُ الحسن البصْري ومكحول.
          ونقلَ أبو عُبيد عن الثاني أنه قال: أمُّ القرآن قراءةً ومسألةً ودعاء.
          وممَّن كان لا يقرأُ على الجنازة ويُنكر ذلك: عمرُ بن الخطاب وابنه، وعليٌّ وأبو هريرة وعطاء وطاوس وابن المسيِّب وابن سيرين وسعيد بن جُبير والشَّعبي والحكم، وبه قال مالكٌ والثَّوري وأبو حنيفة وأصحَابه.
          قال مالك: الصَّلاةُ على الجنازةِ إنما هي دعاءٌ، وليس قراءة فاتحة الكتاب معمولاً بها في بلدنا، ومذهبُ الشَّافعيَّة: لا يقرأ غير الفاتحة ولا التوجُّه ولو كانت الصَّلاة على غائبٍ.
          وقال الطَّحاوي: يحتملُ أن قراءة من قرأها من الصَّحابة على وجه الدعاءِ لا على وجه التِّلاوة، وذلك لأنه لما لم يقرأ بعد التَّكبيرة الثانية دلَّ على أنه لا يقرأ فيما قبلها؛ لأن كلَّ تكبيرةٍ قائمةٌ مقامَ ركعة؛ ولأنه لما لم يتشهَّد في آخرها دلَّ على أنه لا قراءةَ فيها، ذكره ابن بطَّال.
          وتبعَه العيني في أكثرِ ذلك، وزاد: أنَّ قراءتها عندهُم في الأولى، وأن ابنَ حزم قال: يقرأها في كلِّ تكبيرةٍ، وهو قولُ شهر بن حوشَب، قال: وعن المسور بن مخرمَة: يقرأها في الأولى وسورة قصيرة، انتهى.
          وكان الأولى للعيني أن لا يقدِّرَ في الترجمة مشروعيَّةَ قراءتها، بل حكم قراءتها، ويؤول قولَ ابن عبَّاس: ((لتعلَمُوا أنَّها سُنَّة)) بما أوله به الطَّحاوي، وإن نوزع فيه بما يأتي من قوله: وقالوا: إنها سُنَّة، يحتملُ أن الدُّعاء سنة لما روي عن جماعةٍ من الصَّحابةِ والتابعين أنهم أنكروا ذلك، وكأنه أرادَ مجاراة المصنِّف، فافهم.
          (وَقَالَ الْحَسَنُ): أي: البصري (يَقْرَأُ): أي: المصلِّي (عَلَى الطِّفْلِ): أي: الميِّت (بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ): أي: بعد التَّكبيرةِ الأولى، على ما يأتي.
          (وَيَقُولُ): عطف على ((يقرأ)): أي: في دعائهِ في الثالثة (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ): أي: الطفل (لَنَا سَلَفاً): بالتحريك؛ أي: متقدماً إلى الجنَّةِ لأجلنا (وَفَرَطاً): بالتحريك والطاء المهملة آخره، وهو الذي يتقدَّمُ الواردةَ فيهيِّئ لهم المنزلَ (وَأَجْراً): أي: وثواباً.
          والذي في ((اليونينية)): ((فرَطاً وسلَفاً وأجْراً))، وهذا التَّعليقُ وصلَه عبد الوهاب بن عطاء في كتاب / ((الجنائز)) له عن سعيد بن أبي عَروبة: أنه سُئِل عن الصلاة على الصَّبيِّ فأخبرهُم عن قتادة عن الحسن: أنه كان يكبِّرُ ثم يقرأُ بفاتحةٍ ثم يقول: اللهمَّ اجعله لنا سَلفاً وفرَطاً وأجراً.
          وهذا في الصَّغير، وأما الكبيرُ فقد وردَ فيه أدعيةٌ، منها: اللهمَّ إن هذا عبدُكَ وابن عبديكَ... إلى آخرِ المشهور.