الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: أين يقوم من المرأة والرجل

          ░63▒ (بَابٌ: أَيْنَ يَقُومُ): أي: الإمام، ومثله المنفرد (مِنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ): أي: الميتينِ إذا أرادَ الصلاة عليهما.
          أورد المصنِّفُ الترجمة موردَ السؤال؛ لاحتمالِ أن التَّقييد بالمرأة وصفٌ معتبر عنده؛ فإنَّ القيام عليها عند وسطها لسترها، وهو مطلوبٌ في حقِّها، ويحتملُ أن لا يعتبره؛ لأن ذلك قبل اتِّخاذِ النعش للنساء، أمَّا بعده: فالسترُ حاصلٌ لها به، ويحتملُ أنه أراد بها الإشارةَ إلى عدم الفرقِ بين الرجل والمرأة لقياسِ الرجل على المرأة، فيكون الموقفُ عنده فيهما عند الوسطِ، وإلى تضعيفِ الحديث الذي رواه أبو داود والترمذيُّ وابن ماجه عن أنس الذي قدَّمناه في الباب قبله، نبَّه على ذلك في ((الفتح)) كالكرمانيِّ.
          واعترضهما العيني: بأنه من أين علم عدمَ الفرقِ بينهما عنده؟ وبأنَّ الحديث المذكور رواه أبو داود مطولاً وسكتَ عليه، وسكوته رضًى، ورواه التِّرمذي عن أبي غالب _واسمه: رافع، وقيل: نافع_ قال: صلَّيت مع أنس بن مالكٍ على جنازة رجلٍ، فقام حيالَ رأسهِ، ثم جاؤوا بجنازة امرأةٍ من قريش فقال: يا أبا حمزة صلِّ عليها، فقام حيالَ وسطَ السَّرير، فقال له العلاءُ بن زياد: هكذا رأيتَ رسولُ الله صلعم قامَ على المرأة مقامكَ منها، وعلى الرجل مقامَك منه؟ قال: نعم، فلمَّا فرغَ قال: احفظوهُ، قال التِّرمذي: حديث أنس حسنٌ.
          وكيف يضعفُ هذا وقد رضيَ به أبو داود وحسَّنه الترمذي؟ ولكن لما كان مستند الحنفيَّة طعنوا فيه بما لا يفيدُهم، ولئن سلَّمناه فلا نسلِّم وقوفَ البخاري عليه، والتَّضعيف وعدمُه مبنيان عليه، وذكر البخاري الرجلَ في الترجمةِ لا يدلُّ على عدمِ التَّفرقة بينهما عنده؛ لأنه يجوزُ أن يكون مذهبه غير هذا، وذكرُ الرجلِ وقع اتفاقاً لا قصداً. انتهى.
          وقال ابنُ حجر في ((الانتقاض)): هذا كله لا يدفعُ الاحتمال، وهذا ابن حبان من خيارِ الأتباع للبخاري، وقد قال في كتاب ((الثقات)): أبو غالب عن أنس لا يعجبني الاحتجاجُ بما ينفردُ به، انتهى.
          وأقول: وأيضاً: عدم وقوفِ البخاريِّ عليه بعيد جداً، وأبعدُ منه كون ذكر الرجلِ وقع اتفاقاً، وتجويزُ كون مذهبه غير هذا وإن جاز، لكن الظاهرَ أنه هذا.
          فإن قال: إنه ذكرهُ ليذكر له حديثاً على شرطهِ فلم يجده _كما قال الكرماني_ قلنا: قد ردَّهُ هو بأنه إذا لم يجدهُ، فلا وجهَ / لذكرهِ.
          وقوله: ولكن لما كان مستنداً للحنفيَّة طعنُوا فيه، إن أراد بالحنفيَّةِ أبا حنيفة وأصحابه فلا يصح؛ لأنه قد قدم عنهم أنه قال: والمشهورُ عن أصحابنا أن يقومَ من الرجل والمرأة حذاء الصَّدرِ، وإن أرادَ أبا يوسف فهو صحيحٌ، لكن يشاركهُ في الاستدلالِ به الشافعي وأحمد، فكيف يستقيمُ ما قاله؟ فتأمله منصفاً.
          وتقدَّم بيان ذلك مستوفًى في الباب قبله، وزاد في الفتح في هذا الباب: وحكى ابن رشيد عن ابن المرابط: أنه أبدى بكونها نفساً علة مناسبةً، وهي استقبال جنينها لينالهُ من بركة الدعاء، وتُعقِّب: بأنَّ الجنين كعضوٍ منها، ثم هو لا يصلي عليه إذا انفردَ وكان سقطاً، فأحرى إذا كان باقياً في بطنها، انتهى.
          لكنه مقيَّدٌ عند الشافعيَّةِ بما إذا لم يظهر فيه أمارةُ حياةٍ.